المباراة قبل النهائية في كأس العالم للكريكيت بين باكستان وفريق الهند المفضل، شكلت رؤية مثيرة للدهشة للعديد من الجهابذة والخبراء ومحبي اللعبة. ويعكس تحول فريق كأس العالم للكريكيت القوة الهائلة والقدرة الكامنة للثقافة الباكستانية والمجتمع الباكستاني. وقد كان كل ما هو مطلوب أن يتفق رجال الفريق مع مدربهم الباكستاني "شهيد أفريدي"، وأن يعملوا معاً. وبعد أن طهّر نفسه من وصمات الفساد، من خلال طرد اللاعبين الملطخين بها، مثل سلمان بات ومحمد أمير ومحمد عاصف، (الذي أخذ رشاوى مقابل ترتيب نتائج المباريات) تم تحرير باكستان للعب بشكل جماعي كفريق مرة أخرى. وضع كأس العالم 2011 أمام الشعب الباكستاني مرآة. وضمن هذا الإطار نكون نحن في أفضل حالاتنا عندما نتشارك إيجابياً مع العالم على ملعب متساوٍ. ونكون في أسوأ حالاتنا عندما نترك مخاوفنا وخلافاتنا تهزمنا. هناك حاجة ماسة لهذه الرسالة لأمة أصيبت بالصحوة فجأة. خلال الأسابيع الخمسة الماضية وفرت لعبة الكريكيت ما قد يشكّل أقوى وصف للنفسية الباكستانية. فرغم استحواذ عدم الوضوح السياسي والكوارث الطبيعية والفضائح العالمية والعنف غير المقدس والفقر الساحق، ناهيك عن جدل وجودي حول الهوية الوطنية، فقد تأثرت الدولة بأكملها بالأداء الرائع لرجال "أفريدي" الذين يلبسون القمصان الخضراء. تغلب فريق باكستان، الذي يشار إليه بأنه الفريق الذي لا يمكن توقع أدائه، على كافة الفرق حيث لم يخسر سوى مرة واحدة أمام فريق نيوزيلندا. في محاولتها تكرار نصر عام 1992 في كأس العالم، انتقلت باكستان من نجاح إلى آخر من خلال الفوز على سريلانكا وجزر الهند الغربية، اللتين حصلتا على الكأس في السابق، وأستراليا، الفائزة بالبطولة ثلاث مرات سابقة. يوم الأربعاء الماضي، كان يتعين على رجال "أفريدي" عند مقابلتهم لفريق الهند للكريكيت أن يستمروا في نهضتهم ويعلنوا يوم خلاص من خلال الهند، جارتهم في شبه القارة. لم يكن عملاً فذاً سهلاً أن تصل باكستان إلى هذه المرتبة من البطولة. إلا أن التغلب على الهند في لعبة يوم الأربعاء كان يتطلب جهداً رفيعاً من العمل كفريق، جسدياً ونفسياً. في أثناء صدام الجبابرة هذا، تتوقف الحياة، من لاهور إلى كلكتا ومن كراتشي إلى سرينجار. كان هناك بحر من الإنسانية ينتظر وقد توقفت أنفاسه بانتظار رؤية الدراما التي لعبت في ذلك اليوم في موهالي، المدينة الواقعة شمال الهند. لقد تم التركيز من قبل ما يقارب مليار إنسان جميع آمالهم وعواطفهم وتطلعاتهم وطموحاتهم على ملعب الكريكيت وهم يراقبون 22 لاعباً يختبرون شجاعتهم ومهارتهم ضد بعضهم بعضاً. أما مكافأة الفريق الذي تمكن من التعامل على أفضل وجه مع أعصابه في وجه ضغوط لا يمكن وصفها فهي حق العبور إلى النهائيات. وبغض النظر عن نتيجة المباراة، فإن قوة لعبة "الكريكيت" وحب باكستان لها تجعل شباباً يلبسون الطواقي الخاصة والقميص التقليدي لجنوب آسيا، أو طاقية لعبة البيسبول معكوسة وقمصان التي-شيرت وسراويل الجينز، يجتمعون معاً، مع الغني والفقير، الرجال والنساء والشيوخ والشباب والليبراليين والمحافظين، يُنقلون إلى حالة من التكريس الزائد للعبة أو، كما يقول الباكستانيون: "فناء". لا يمكن التقليل من قدرة الرياضة والفنون والثقافة على إضفاء الإنسانية على ما تجعله السياسة أمراً يظهر بمظهر الشيطانية. كانت الموسيقى والكريكيت، وهما خليط مؤثر دون شك، الرابط القوي للهوية الباكستانية. فقد قام محبو اللعبة في كافة أنحاء العالم باستخدام التويتر والرسائل النصية والفيسبوك وفيديو اليوتيوب للأغاني الوطنية مثل "جازبا جنون، ديل ديل باكستان، جيفي ديفي باكستان" ومجموعة من الأغاني التي تدور حول الكريكيت لإظهار حبهم للعبة ولبلدهم باكستان. هناك تعابير طبيعية جداً حول الكبرياء الوطني الذي لا يستطيع أي إرهابي أو متطرف أن يأخذه من الناس في يوم من الأيام. فحيث أراد المتطرفون زرع بذور الخوف والفرقة، أثبتت الموسيقى والكريكيت قدرتهما على أن تكونا العامل المحفّز القوي في جمع الأمة معاً. لا عجب أن الفنون والثقافة باتت هدفاً للإرهابيين. هذه اللحظات السريعة من الوحدة ثمينة لأنها توفر نظرة خاطفة لأعمق رغبات الأمة. نتيجة للبراهين التي وفرها فريق"أفريدي"، بقيت روح باكستان وعاطفتها الدافقة حيّة ترزق، ظهرت إلى السطح. لقد حان الوقت للجم هذه العاطفة وتقوية الهوية الوطنية من خلال التعليم والفنون والثقافة والتعددية وحكم القانون والقيادة على كافة المستويات. لقد أظهر فريق الكريكيت أنه عندما تلعب بدون لاعبين لا يسعون إلا إلى مصلحتهم الذاتية فإنك تلعب كالأبطال. وإذا كانت الميزات المماثلة تصبح شروط المراكز العامة الأخرى، فإن باكستان تملك إمكانات التحول إلى نمر آسيوي، ربما خلال حياتنا نحن. لقد حان الوقت لتضخيم أصوات المنطق والأمل والتوجه قدماً بشجاعة مع وحدة الهدف. بغض النظر عمن ربح المباراة، فقد وفّر الفريق الباكستاني المرن درساً مهماً للبلاد: العبوا بشكل طبيعي، العبوا بعدالة، ابتهجوا وتخلصوا من الخوف. وكما تقول أغنية "جوزيا جنون": إذا كانت لديك روح التعاطف فلا تستسلم أبداً.. هؤلاء الذين يناضلون يلمسون السماء دائماً.. باكستان ملك لك.. باكستان لنا جميعاً. سلمان أحمد سفير نوايا حسنة للأمم المتحدة من أجل السلام والوعي بمرض لإيدز ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند"