عقد في مدينة أبوظبي المؤتمر السنوي السادس عشر لمؤتمر الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تحت عنوان "التطورات الاستراتيجية العالمية... رؤية استشرافية"، وذلك في الفترة بن 21 و23 مارس 2011. ورغم أن المؤتمر سعى للتركيز على التحولات والتطورات العالمية من منظور مستقبلي، فإن الأحداث والثورات الشعبية في الوطن العربي استحوذت على اهتمام المتحدثين الرئيسيين خلاله. وقد ركز المشاركون العرب في مداخلاتهم على الأبعاد السياسية؛ فأكد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان أن العالم العربي يمر بظروف استثنائية ستكون لها انعكاسات كبيرة وطويلة على المنطقة ككل. أما الأمير تركي الفيصل فذكر بأن العالم العربي أصيب بزلزال سياسي؛ حيث تم تقسيم السودان، وسقط نظامان سياسيان في تونس ومصر، وتتعرض ليبيا لزلزال آخر... وطالب الفيصل بإعادة التفكير في كثير من المسلَّمات التي كانت مناسبة لحياتنا من قبل، ودعا للالتفات إلى أوضاعنا الإقليمية وإجراء ما يلزم من إصلاحات لتعزيز استقرارنا الداخلي؛ فلا نفع للقوة الخارجية بغير القوة الداخلية، وعلينا مراجعة سياساتنا الاقتصادية التي سمحت بأن تكون الدول الخليجية سوقاً لعمال العالم، وكذلك مراجعة سياساتنا الثقافية وتعزيز مفهوم المواطنة. الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي عبدالله العطية تحدث عن المشهد العربي والحراك السياسي الذي أحدث تغيرات ديمقراطية قسرية في كل من تونس ومصر، وتساءل: هل نحن في دول مجلس التعاون معنيون مباشرة برياح التغيير العاصفة؟ وأجاب بأن دول المجلس خطت خطوات إيجابية في التنمية، لكن ثمة متغيرات ينبغي الأخذ بها، ومنها الزيادة السكانية الكبيرة حيث يتوقع أن يصل عدد سكان دول المجلس إلى نحو 53 مليون نسمة في عام 2020، مما يخلق طلباً متزايداً من الشباب المؤهلين لسوق العمل. وأوضح العطية أن معظم سكان المجلس من الشباب، وهؤلاء لديهم قناعات بشأن دورهم وأهمية مشاركتهم في الشأن العام. وأكد على أهمية تكريس مفهوم المواطنة، تجاوزاً للولاءات التقليدية نحو منح المواطنين الأولوية في سوق العمل. أما المحاضرون الأجانب فركزوا في مداخلاتهم على أهمية الاقتصاد، فالجنرال كولن باول ذكر بأن التغيرات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط هذه الأيام حدثت تغيراتٌ مماثلة لها في أنحاء مختلفة من العالم خلال فترة ربع قرن الماضية، وقد بدأت في أميركا اللاتينية في الثمانينيات حيث تمت الإطاحة بالأنظمة الدكتاتورية، وشكلت الشعوب حكومات جديدة، وكانت المطالب في البداية تتركز على توفير الخدمات الصحية والتعليمية وفرص العمل، لكن اليوم نجحت تشيلي والبرازيل وغيرهما في تشجيع النمو الاقتصادي والإصلاح السياسي. ثم استعرض باول التحولات في آسيا، وتحديداً الصين وكوريا الجنوبية، مؤكداً أن الثورة الإعلامية سمحت للناس بالتواصل على نحو لا يمكن للحكومات السيطرة عليه. أما الدكتور ناصيف حتي فركز على أبرز سمات عالمنا المعاصر، وهي الصراع بين عناصر الاندماج وعناصر التفكك، وتحول من الحروب بين الدول إلى حروب ضمن الدول مصادرها الأساسية داخلية، وأهمها مشكلات الهوية والشرعية وبروز الدول الفاشلة والدول المعرضة للفشل، وأخيراً بروز دول جديدة في الاقتصاد وهي الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا. نتمنى أن يستفيد العرب من تجارب الدول والشعوب الأخرى التي سبقتنا في مجال التنمية، وقبل ذلك أن تواصل مراكز الدراسات العربية إبراز القضايا المهمة في العالم المعاصر. د. شملان يوسف العيسى