استمر التعصب لدينا هنا في أميركا ضد المسلمين حتى الآن، وقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية عدداً من الأحداث التي دفعت بهذه القضية إلى رأس أجندة الاهتمامات الأميركية. فمثلاً، بثت شبكة "سي إن إن" يوم الأحد الماضي فيلماً وثائقياً من إخراج سولداد أوبراين عالج فيه موضوع الصراع ضد المسلمين في ضاحية مورفريسبورو بولاية تنيسي، وحول ما إذا كان سيسمح لمسلمي هذه الضاحية بتشييد مسجد خاص بهم أم لا. وكما حدثنا بعض سكان هذه الضاحية، فإنها تفخر بكونها ضاحية منفتحة ومرحبة بالجميع، وأن سكانها يتعايشون مع بعضهم. لكن خلافاً لتلك الصورة المسالمة التي حدثنا عنها بعض السكان، نرى بعضهم غاضبين وممتلئين بمشاعر الكراهية، ويبدون استعداداً لمهاجمة جيرانهم المسلمين. ويعكس مضمون الفيلم الوثائقي جهوداً حثيثة لا تزال تبذل، رغم فشلها حتى الآن، على أمل أن تقضي محكمة في ولاية تنيسي بأن الإسلام ليس ديناً، وعليه فإنه لا يتمتع بحماية قانون الحقوق الأميركي. أما الصورة التي رسمتها عبارات ولغة الناشطين المعادين لبناء المسجد في الضاحية المذكورة، فهي مثيرة للقلق والرعب دون شك. وبعد مرور يومين على بث الفيلم الوثائقي، عقد السيناتور ريتشارد دوربين (ديمقراطي من ولاية إلينوي)، رئيس لجنة الدستور والحقوق المدنية وحقوق الإنسان الفرعية التابعة للجنة القضائية بمجلس الشيوخ، جلسة استماع للنظر في الحقوق المدنية للمسلمين الأميركيين، حيث أدلى أعضاء لجنة الشهود الثنائية الحزبية -بمن فيهم ثيودور كاردينال ماكريك، وكذلك المساعدين السابق والحالي للنائب العام في مجال الحقوق المدنية- بشهادات بالغة الأهمية، أوضحوا فيها تنامي جرائم الكراهية والأحداث المرتبطة بها، مثل بارك 51 أو مشروع المركز الإسلامي الذي كان يفترض بناؤه في الجزء الجنوبي من مانهاتن، وكذلك الاحتجاجات ضد بناء مسجد في ضاحية مورفريسبورو... باعتبارها أحداثاً توفر أدلة واضحة على وجود تمييز فعلي وتمثل تهديداً جدياً للحقوق المدنية للمسلمين الأميركيين. ومن جانبهم، استخدم أعضاء اللجنة الفرعية المذكورة، ذات العبارات التي يستخدمها المعلقون والمحللون السياسيون اليمينيون. بل نظر السيناتورات الجمهوريون إلى جلسة الاستماع على أنها مجرد تشتيت للجهود الواجب بذلها لهزيمة "التطرف الإسلامي"! فمثلاً قال السيناتور جون كايل (جمهوري من ولاية أريزونا): "احترتُ نوعاً ما بشأن دوافع عقد جلسة الاستماع اليوم؛ ذلك أن السبيل الوحيد لهزيمة الإرهابيين هو معرفة من أين يأتون". فكأن تلك الملاحظة التي أبداها كايل تبرر حرمان المسلمين الأميركيين من حقهم في بناء مسجد، أو ممارسة شعائرهم الدينية التي يحميها قانون الحقوق الأميركي. وبينما تستمر نزعة التمييز والكراهية ضد المسلمين من قبل ممثلي اليمين الأميركي، يلاحظ أن مرشحي الحزب الجمهوري للسباق الرئاسي لعام 2012، يحرصون على استقطاب القاعدة الأصولية الدينية لحزبهم، ولا يكفون عن إطلاق التعبيرات والتصريحات المثيرة للغضب بشأن الإسلام والمسلمين. فأثناء مخاطبته الآلاف من أتباع جون هاجي -مؤسس جماعة المسيحيين المتحدين من أجل إسرائيل- عبر نويت جنجريتش -الرئيس الجمهوري السابق لمجلس النواب- عن هذه الفكرة بقوله: ما لم نفز بالمعركة الدائرة الآن عما تكون عليه طبيعة أميركا وهويتها، فسوف يجد أحفادنا عندما يبلغون عمرنا الحالي، أنفسهم في أميركا علمانية ملحدة، يهيمن عليها بشكل رئيسي الراديكاليون الإسلاميون، ولا يعلمون فيها ما كان يعنيه كون المرء أميركياً! وعندما سئل هيرمان كين -وهو مرشح آخر للسباق الرئاسي الجمهوري- عما إذا كان سيعين أميركياً مسلماً في إدارته، أو ما إذا كان سيفكر في تعيين قاض مسلم في عضوية المحكمة الفيدرالية، أجاب كين دون تردد: "كلا بالطبع.. وإليكم السبب: فالمسلمون لا يكفون مطلقاً عن تسريب عقيدتهم تدريجياً إلى نظام الحكم الأميركي. وكما نعلم فليس ثمة مكان للشريعة في نظامنا الحكومي". وتأكيداً للفكرة نفسها، تباهى تم باولينتي -حاكم سابق لولاية مينسوتا ومرشح رئاسي جمهوري آخر- بتفكيكه لبرنامج أطلق في ولايته، يسمح للمسلمين بالتمتع بمزايا رهن عقاري يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية. وبرر باولينتي نسفه لذلك البرنامج بالقول إن على أميركا أن تحكم بنصوص الدستور الأميركي وليس بالتشريعات الدينية. وليست هذه التصريحات سوى تجليات أخيرة لتنامي النزعة المعادية للإسلام منذ أن صوت ناخبو ولاية أوكلاهوما في استفتاء شعبي العام الماضي، قررت نتائجه تحريم تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية في ولايتهم. وخلال الأسبوع الماضي أعلنت ولايتان أخريان سيرهما في ذات الطريق الذي سارت فيه ولاية أوكلاهوما، ليرتفع بذلك عدد الولايات التي تحرم تطبيق الشريعة فيها إلى 15 ولاية. ليس ذلك فحسب، بل أعرب عدد من كبار قادة الحزب الجمهوري، بمن فيهم السيناتور السابق ريك سانتورم، وسارة بالين، ومايك هكابي -وكلاهما حاكمان سابقان لولايتين- وكذلك ميشيل باشمان، عضو الكونجرس... آراءهم صراحة حول الإسلام والمسلمين، دون معرفة حقيقية بأيهما! وسواء جاء التعبير عن كراهية المسلمين وعقيدتهم في شكل حرمان لهم من بناء المساجد، أم في شكل تصريحات مملوءة بالكراهية والتمييز ضدهم، ففي ذلك السلوك ما يهدد جوهر الحقوق الأميركية التي يحميها الدستور. ولا شك أن فيه ما يطعن في قيم الحرية والديمقراطية الأميركية نفسها.