اعتمدت دولة الإمارات عبر سلطاتها المالية المتمثّلة في "وزارة المالية"، خلال السنوات الماضية، عدداً من المبادرات التي ساعدتها على الوصول إلى الإدارة المثلى لمواردها المالية، فقد اعتمدت الدولة نظاماً يقضي بربط الأهداف التشغيلية قصيرة الأجل والمستخدمة على مستوى المؤسسات الحكومية من ناحية بالأهداف الاستراتيجية طويلة الأمد والمعتمدة على المستوى الكلّي والاتحادي بالدولة بشكل عام، بما سمح أن تتحول الأهداف قصيرة الأمد التي تسعى المؤسسات إلى إدراكها إلى جزء لا يتجزّأ من الأهداف والغايات الاستراتيجية المنشودة على مستوى الدولة، وقد استطاعت الدولة بفضل هذا النظام أن تضمن إدارة مواردها المالية بشكل كفء، يقضي بتوجيه هذه الموارد إلى الاستخدامات الأكثر أهمية والقنوات الأكثر حيوية بما يتوافق مع متطلبات المرحلة التنموية التي تمرّ بها. كان اعتماد دولة الإمارات على نظام "الموازنة الصفرية" في إعداد خططها التنموية وموازناتها العامة خلال السنوات الماضية الآلية الأكثر فاعلية في تمكينها من تحقيق الاستخدام الأمثل لمواردها المالية، ويتميّز هذا النظام عن نظام "الموازنة التقليدية" بأنه يساعد على التقويم والمراجعة المستمرة للقرارات الاستراتيجية للإدارات الحكومية بما يمكّن هذه الإدارات ومن ثم الحكومة من التكيّف مع الظروف والمستجدات الطارئة، خاصة أن إعداد "الموازنة الصفرية" يأخذ الاتجاه العكسي لأعداد "الموازنة التقليدية"، فبدلاً من البداية بتحديد إجمالي النفقات الإجمالية المقدرّة للفترة المقبلة على المستوى الكلّي للدولة، ومن ثم توزيعها على الاستخدامات المختلفة كما هو متبع لدى إعداد الموازنات التقليدية، فإن "الموازنة الصفرية" تبدأ بتقويم البرامج المختلفة لكل مؤسسة والمفاضلة بين هذه البرامج على أساس الكفاءة والفاعلية، لاختيار مجموعة من هذه البرامج تكون في ما بينها الموازنة المؤسسية، ومن ثم يتم تجميع الموازنات المؤسسية لتنبني في النهاية الموازنة العامة للدولة. إن منهجية إعداد "الموازنة الصفرية" تسمح بأن يبدأ إعداد الموازنة ومن ثم تحديد الأهداف التنموية للدولة من طرف القائمين على الأنشطة التنفيذية على أرض الواقع وأصحاب الاتصال المباشر بالسكان المستهدفين والأكثر إلماماً باحتياجات هؤلاء السكان الذين هم الهدف الأول والأخير لجمل العمل التنموي في الدولة، وعموماً فقد أثبت نظام "الموازنة الصفرية" جدواه منذ تطبيقه ليس في دولة الإمارات فقط ولكن في جميع دول العالم أيضاً التي أخذت به منذ ابتكاره في نهايات ستينيات القرن العشرين. كان لتطبيق دولة الإمارات "نظام الموازنة الصفرية" صدى عالمي واسع النطاق، وقد حلّت الدولة منذ اعتمادها هذا النظام ضمن الدول العشر الأولى ضمن 139 دولة على مستوى العالم وفقاً لمؤشر "كفاءة الإنفاق الحكومي" المعدّ من قبل "المنتدى الاقتصادي العالمي"، وقد حلّت الدولة في المرتبة السابعة عالمياً وفقاً لهذا المؤشر في التصنيف الخاص بعام 2010/2011، ولعلّ هذه المرتبة العالمية المتميّزة تمثّل نقطة إيجابية جديدة تضاف إلى الرصيد الكبير الذي تمتلكه الدولة، كإحدى الدول الأكثر إصلاحاً لمناخها الاستثماري على مستوى العالم، وأحد الاقتصادات الأكثر تنافسية بين باقي اقتصادات العالم في الوقت الراهن. تزداد أهميّة المرتبة المتقدّمة لدولة الإمارات وفقاً لمؤشر كفاءة الإنفاق الحكومي كونه يعد مؤشراً ذا دلالة مهمّة في ما يتعلّق بتدني مستويات الفساد الإداري في مؤسسات الدولة، ما يضيف نقطة تميّز جديدة للاقتصاد الإماراتي كوجهة استثمارية مفضّلة على مستوى العالم. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.