مذيعة في الفضائية الليبية كانت تتحدث عن تحريم الإسلام لتبني الأطفال، ثم فجأة ذكرت قرار مجلس الأمن بفرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا والذي تبنته دول التحالف، لتقول إن هذه الدول خالفت الشريعة لأن التبني محرّم في الإسلام. ومن يتابع هذه القناة سيجد أعوان القذافي من مذيعين ومعلقين يصوّبون أسلحتهم باتجاه الشعب الذي خرج يطالب بحقوقه المشروعة، مثلما هناك أعوان للقذافي على الأرض يعيثون فساداً في المدن الليبية بالقصف والقتل والإجهاز على الجرحى. والفرق بين هذين النوعين من الأعوان هو أن الفريق الأول يمثل لسان النظام حين يستخدم سلاح الكلمة، والفريق الثاني يعد يد النظام حين يستخدم سلاح الصواريخ والرشاشات. وفي مداخلة عبر إحدى الفضائيات، طالب إعلامي مصري بمحاكمة الإعلاميين الذين وقفوا ضد الشعب حتى اللحظات الأخيرة، وحين برّرت المذيعة موقف أولئك الإعلاميين بأنهم كانوا موظفين يؤدون واجبهم الموكل إليهم من قبل رؤسائهم، ردّ عليها بأنه بهذا المنطق يمكن تبرئة حتى الذين اشتركوا في قتل المتظاهرين، لأنهم أيضاً كانوا موظفين يؤدون واجبهم الموكل إليهم من قبل رؤسائهم. وإذا كان رجل الأمن مسؤولاً عن جريمة القتل لأنه أخلّ بواجبه الذي لا يبيح له قتل المتظاهرين العُزل بأي حال من الأحوال، إذ لا يعفي القانون الموظف حين يرتكب جريمة ولو كان بأمر من رئيسه في العمل، فإنه في المقابل، يكون الإعلامي، سواء في التلفزيون أو الإذاعة أو الصحيفة، مسؤولاً عن جريمة تضليل الرأي العام والتحريض على المتظاهرين والتحشيد ضدهم والتأليب عليهم، لأنه أخلّ بواجبه الذي لا يبيح له ترويج الأكاذيب والافتراءات. ويمكن إيجاد المبررات للإعلامي حين تكون الأمور ملتبسة وهناك قرائن على صحة الروايات الرسمية للأحداث، لكن لا يمكن تبرير موقفه حين يشارك في ترويج أكاذيب أصبحت مادة للسخرية حول العالم، كتعاطي ثوار ليبيا حبوب الهلوسة مثلاً، أو بث مشاهد لمظاهرة خرجت في لندن ضد التقشف باعتبارها مظاهرة ضد هجمات قوات التحالف الدولي على كتائب القذافي، أو توزيع وجبات "كنتاكي" على المتظاهرين في ميدان التحرير بالقاهرة. وإذا كان الإعلامي يخشى من الانتقام في حال لم يشترك في إعداد نشرة أخبار الأكاذيب، أو في قراءتها، أو في الجلوس بعد ذلك في الاستديو ومحاورة الضيوف ساعات طويلة في أمور وهمية يعرف الجميع بأنها لم تحدث وأنها افتراءات مكشوفة، فإن رجل الأمن يستطيع بسهولة التمسك بهذا المنطق، فهو صدّق الراوية الرسمية بأن هناك مؤامرة وأن المتظاهرين هم عصابات خارجة على القانون، وتأكد من صحتها حين وجد الجميع في الصحف والتلفزيونات يتحدث بها، بل إن رجل الأمن تكون حياته معرضة للخطر في حال رفضه أوامر إطلاق الرصاص، وقد يتهم بعد ذلك بجرائم خطيرة، بينما الإعلامي لن يتعرض في الأحوال العادية إلا إلى الفصل أو التوقيف عن العمل. ويبقى فارق وحيد هو أنه لا يمكن مساواة من قتل بيديه مباشرة بمن اشترك في ترويج الأكاذيب وتضليل الناس، لكن العدالة تقضي بأن يصمت الإعلامي الذي ثبت أنه فاقد للشروط الأخلاقية الواجب توافرها في هذه المهنة. Summary محمود