أصبح التعليم التكنولوجي يشكّل أولوية متقدمة في دائرة اهتمامات دول العالم أجمع، ليس لدوره المهم في تخريج عمالة فنية نوعية تستجيب لمتطلبات سوق العمل، وإنما لأنه أصبح مطلباً رئيسياً للدخول إلى اقتصاد المعرفة الذي يعتمد بشكل رئيسي على تسخير التكنولوجيا في مجالات العمل والإنتاج المختلفة أيضاً. من هذا المنطلق تبرز أهمية "مؤتمر التعليم التكنولوجي" الذي تنظمه معاهد التكنولوجيا التطبيقية، تحت شعار "تعليم متطور لجيل مبتكر"، والذي بدأت فعالياته أمس الأربعاء، فهذا المؤتمر يستعرض أحدث البرامج والأساليب والأدوات والمبادرات التعليمية الناجحة في العالم، والتي من شأنها المساهمة في إحداث نقلة نوعية جديدة في التعليم عامة والتعليم التكنولوجي خاصة، في مختلف المؤسسات التعليمية في الدولة. لا شك أن الاطلاع على التجارب الرائدة في مجال التعليم التكنولوجي، واختيار الأنسب منها لكي تسهم في تطوير التعليم التكنولوجي في الدولة، بحيث يصبح جاذباً للطلاب، أمر ينطوي على مردودات إيجابية عديدة، أولها، أنه يخدم الهدف الاستراتيجي الذي تسعى الدولة إلى تحقيقه، وهو "توطين التكنولوجيا"؛ فتعلّم مبادئ التكنولوجيا وعلومها هو الخطوة الأولى نحو توطينها، حيث تشير تجارب الدول المختلفة التي اهتمت بقضية نقل التكنولوجيا إلى أن الدول التي اكتفت بشراء الآلات والمعدات التكنولوجية الحديثة لم يُتح لها ذلك التحكّم في التقنيات الفنية ولم تكن قادرة على تطوير قطاعها الصناعي ليتمكّن من تحقيق المنافسة في الأسواق العالمية، حتى المحلية، ذلك لأن السيطرة على التكنولوجيا تتمّ من خلال التعلّم والمعرفة ومن خلال نظم البحث والتطوير وليس بالامتلاك الشكلي للتكنولوجيا. ثانيها، أن التعليم التكنولوجي يضمن تخريج كوادر إماراتية قادرة على تلبية متطلبات التنمية الاقتصادية والطفرة الصناعية في دولة الإمارات، لأنه ثبت بالفعل أن عملية نقل التكنولوجيا واستيعاب علومها ومبادئها المختلفة لا يمكن أن تتم في غياب كادر بشري قادر على التعامل مع التكنولوجيا الجديدة، واستخدامها والاستفادة منها وتطويرها، وهذا ما تحرص عليه قيادتنا الرشيدة التي تحرص بشكل مستمر على الاستثمار في البشر، وتطوير قدراتهم وصقل مواهبهم، بحيث يكونون قادرين على التعاطي مع التطورات المتسارعة التي يشهدها عالم اليوم في مجال التكنولوجيا وثورة المعلومات، والاستفادة منها في تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة. ثالثها، أن الإلمام بأدوات التكنولوجيا المتقدمة يعتبر أحد المداخل المهمة لاقتصاد المعرفة الذي أصبح بدوره السبيل نحو تحقيق معدلات تنمية مرتفعة في العديد من القطاعات الحيوية لاقتصادنا الوطني، كالطيران والمصارف والاتصالات والموانئ وغيرها، وهي المجالات التي تسعى الدولة إلى تحقيق نقلة نوعية فيها خلال الفترة المقبلة. ولعل ما يبعث على التفاؤل في هذا الشأن أن العديد من الهيئات والمعاهد التعليمية في الدولة أصبحت تتخذ من السياسات والخطط ما يخدم هذا الهدف، وتركز في جهودها على تشجيع المواطنين لتعلم مبادئ التكنولوجيا وعلومها، كما أن ما تشهده الدولة حالياً من تطور مستمر في شتى نواحي بنيتها التحتية يشير بوضوح إلى أي مدى استطاعت إحداث نقلة نوعية في المؤسسات والمرافق كلها، بتزويدها بآلية التكيّـف مع اقتصاد المعرفة والاستجابة السريعة لأحدث ما تنتجه التكنولوجيا، وتطويعها من أجل تسريع وتيرة التنمية وخدمة المجتمع. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.