تسلم رئيس الوزراء البريطاني، مهامه في 10 داوننج ستريت في شهر مايو من العام الماضي، وهو يفتقر كثيراً إلى الخبرة اللازمة لمثل هذا المنصب في مجالي السياسات الخارجية والشؤون الدفاعية. وعلى عكسه تماماً فقد عرف حزبه المحافظ بقوة انحيازه للتحالف الأطلسي، مقابل شدة عدائه للاتحاد الأوروبي. غير أن الحكومة الائتلافية التي شكلت بالشراكة مع الديمقراطيين الأحرار، وبتولي وليام هيج شؤون وزارة الخارجية فيها، رأت السير في طريق آخر نال احترام القادة الأوروبيين فيما يبدو. وفي الثامن عشر من فبراير المنصرم أعرب كاميرون أمام مجلس العموم عن الحاجة إلى فرض منطقة حظر جوي في ليبيا. لكنه تعرض لانتقاد بعدها من قبل وزير الدفاع الأميركي ، ولم يتمكن كاميرون من مهاتفة الرئيس أوباما في ذلك الخصوص لبضعة أيام. بيد أن كاميرون لم يستبعد احتمال العمل البريطاني ضد القذافي، وهذا ما أكده بقوله في التاسع من مارس الجاري: "إن علينا الاستعداد لما يجب القيام به، فيما لو استمر القذافي في معاملة مواطنيه بكل هذه الوحشية". وعن طريق التعاون المشترك مع الرئيس الفرنسي، تمكن القادة السياسيون البريطانيون من القيام بالدور الرئيسي في إصدار مجلس الأمن الدولي قراره رقم 1973 الذي سمح بفرض منطقة الحظر الجوي في ليبيا دون التصويت عليه في السابع عشر من مارس الحالي. ولم يكتف القرار الدولي بفرض منطقة الحظر الجوي فحسب، بل نص كذلك على أي تدابير لازمة لمنع القذافي من مهاجمة مواطنيه بالسلاح الناري. وبذلك تمكن كاميرون، الذي لم تمض على توليه المنصب سوى بضعة شهور، من إلزام جنود بلاده، من الجنسين، بذلك القرار الدولي المهم. وفي الحادي والعشرين من مارس أجرى مجلس العموم نقاشاً بشأن ليبيا، ثم صوّت بالإجماع لصالح ما وصفه نائب رئيس الوزراء، نك كليج -من حزب الديمقراطيين الأحرار-"بالتدخل الليبرالي في إطار سيادة القانون في ليبيا". ومن جانبه كرر رئيس الوزراء مرات عديدة قوله إن التدخل في ليبيا ليس له أدنى صلة بما حدث في العراق. وبذلك أصبح واضحاً اختلاف مهمة التدخل الليبي هذه، عن تدخل رئيس الوزراء السابق بلير في العراق خلال صيف عام 2003. فحتى من الناحية الإجرائية، حدث تشاور واسع ومكثف بين كاميرون وأعضاء المجلس الوزاري، فضلاً عن وجود النائب العام، الذي تمت استشارته في جميع المسائل القانونية المتعلقة بهذا التدخل. يضاف إلى ذلك كله وجود قرار دولي قوي صادر عن مجلس الأمن الدولي بشأن التدخل في ليبيا. ويمكن القول إن الأسابيع الأخيرة الماضية كانت فترة نجاح استثنائي لكاميرون، وقد ساهمت كثيراً في تعزيز موقفه السياسي داخلياً وخارجياً. وقد كان مبهراً بهدوئه ومخاطبته اللبقة المقنعة لأعضاء مجلس العموم بشأن سياسات حكومته إزاء ليبيا، بما فيها تأكيده على الاستبعاد التام لخيار تغيير النظام الليبي. وفي حين لم يرق لقلة من منتقديه المحافظين حماسه الزائد للأمم المتحدة، فإن ذلك لم يمنعهم من الاعتراف بالمهارة القيادية الدولية التي أبداها كاميرون. بيد أن الفجوة الفاصلة بين قدرات التحالف الدولي العسكرية في ليبيا -بما فيها الطائرات التي أسهمت بها دول إقليمية مجاورة- كبيرة جداً، مما شل سلاح الجو الليبي، وأضعف سلاح الدبابات والمصفحات المملوكة لقوات القذافي الآن. وقد ساهمت الضربات الجوية التي وجهتها قوات التحالف الدولي في إضعاف نظام القذافي، مع تزايد احتمال انضمام مزيد من القيادات السياسية والعسكرية إلى صفوف المتمردين. وخلال الأيام القريبة الحاسمة، من المهم جداً أن يلعب العالم العربي الدور الأعظم والحيوي في تشكيل ما ينتهي إليه النزاع الحالي في ليبيا، معتمداً في ذلك على عمق خلافاته مع القذافي، ومستفيداً في الوقت ذاته من الدعم الكبير الذي يوفره له التحالف الدولي. ولا شك أن لتشكيل هذا التحالف الغربي العربي أهميته، ليس في تقرير ما تؤول إليه الأوضاع في ليبيا فحسب، وإنما بالنسبة للمنطقة بأسرها. ويجدر بالذكر أن قرار مجلس الأمن رقم 1973 "يحرم وجود أي قوة احتلال أجنبي في أي جزء من الأراضي الليبية". وربما يبدو هذا النص واضحاً ولا إبهام فيه، بيد أن من شأنه أن تكون له تأثيرات غير مباشرة على العمليات التي تقوم بها القوات الخاصة، التي تبحث عن أهداف محتملة بعينها، وتتولى إدارة وتوجيه الطائرات المقاتلة المشاركة في العمليات الدولية، إضافة إلى التأثير غير المباشر وغير المقصود بنص القرار في التعامل مع أسرى قادة الطائرات الليبية التي يتم إسقاطها. وهناك من يتساءل عن مصير الاحتياطات النفطية الليبية الكبيرة، وما الذي يحدث لها في ظل النزاع الحالي، خاصة وأن بعض حقول النفط وآباره قد تعرضت للنهب فيما يبدو. ليس ذلك فحسب، بل تنتشر الأخبار يومياً عن مغادرة عدد كبير من الموظفين والعاملين في هذه الحقول لليبيا بطريقة أو أخرى. كما نعلم أن معدل الإنتاج قد انخفض كثيراً في ظل الظروف الحالية. ومن المعلوم كذلك أن القذافي كان يعول كثيراً على عائدات النفط في الإنفاق الأمني على نظامه، وكذلك في شراء المرتزقة الذين يدافعون عنه هذه الأيام من عدة دول إفريقية مجاورة. وأياً كانت التوقعات واتجاهات التحليل، فمن المتوقع أن تكون الأزمة هي المرحلة التالية من الحالة الليبية.