تلقّى رئيس حكومة تصريف الأعمال الفلسطيني، سلام فياض، سيلاً من الانتقادات ممن يدعون بأن الإجراءات التي طبّقها كجزء من خطته لبناء الدولة، غير ديمقراطية. وتمثل خطة "فلسطين: إنهاء الاحتلال وإنشاء الدولة،" والتي أطلقت في أغسطس 2009 مخططاً أولياً لإنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. ويعتقد النقاد الغربيون أنه من خلال جهودهما لبناء الدولة، لجأ فياض وعباس إلى إجراءات سلطوية. ويشيرون إلى فترتي الرئاسة والبرلمان المنتهيتين، وانعدام الفصل بين السلطات، واعتقال أنصار "حماس" في الضفة بشكل غير قانوني... كأمثلة لنهج إدارة الحكم على حساب الديمقراطية. لكن هذه الانتقادات ليست دقيقة ولا تقدّر المضمون الذي تعمل القيادة من خلاله. فقد أعلنت السلطة مؤخراً أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية ستجري في سبتمبر المقبل، وأنها تتطلع إلى تطبيق معايير ديمقراطية. كما يتوجب على النقاد أن يفهموا أن فلسطين لن تقلّد الديمقراطية الغربية بشكل كامل، لأنها ليست نموذجاً يناسب الجميع. وبالطبع فالظروف التي يتوجب على الحكومة الفلسطينية الالتزام بها أحياناً تشكل تحدياً لجمعها بالمعايير والقيم الغربية. وفي المراحل البدائية لمشروع بناء الدولة، تضم الأولويات الرئيسية تخليص الضفة من انعدام القانون الذي حول بعض القرى إلى ساحة لعصابات مسلّحة، وتقوية اقتصاد الضفة، وتنظيف النظام السياسي من الفساد المستشري، بهدف إيجاد حكومة شفافة خاضعة للمساءلة. وقد نجحت السلطة في تحقيق هذه الأهداف، رغم أنها ما زالت قيد العمل. ومن النتائج المثيرة للإعجاب أن إسرائيل شهدت في عام 2010 أهدأ "سنة أمنية" خلال عقد من الزمان. ويتعلق توقف العمليات الإرهابية بالتنسيق بين الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن الفلسطينية، إضافة إلى حملة السلطة للتضييق على "حماس" وبقية الجماعات العنفية في الضفة. لكن هذه الإجراءات الأمنية ضمت حالات تم فيها انتهاك حقوق الإنسان، كما هو الحال بالنسبة لاعتقال أنصار "حماس". وتلك مشكلة لم يتم التعامل معها بشفافية، نتيجة للعلاقات المعقدة بين "فتح" و"حماس"، والشروط التي وضعها المجتمع الدولي مقابل منح الدعم. الحدود التي يتوجب على فياض العمل فيها معقدة وتشكّل عائقاً للعملية الديمقراطية. لقد فرض المجتمع الدولي وإسرائيل التزامات أمنية على السلطة. وإذا رأى فياض أنه غير قادر على تحقيق حد معين من الأمن في الضفة من خلال اعتقال من يعتبرون "تهديداً أمنياً"، تستطيع إسرائيل وقتها إعادة احتلال مناطق السلطة، وتقويض مشروع بناء الدولة بمجمله. أحد أساليب كبح جماح الانتقادات الموجهة لفياض وإعطاؤه مساحة للمناورة في هذه البيئة الهشّة، هو ربط الأداء الأميركي والأوروبي عبر الاعتراف بالدولة الفلسطينية. ويساعد ربط الاعتراف بالعملية السلمية على جمع الطرفين حول طاولة المفاوضات مجدداً وتحفيز الولايات المتحدة على التعافي إلى حد ما من سمعتها الملطّخة بعد أن استخدمت الفيتو ضد مشروع قرار يدين الاستيطان الإسرائيلي. ويعني استمرار الدعم لمبادرة فياض في بناء الدولة إعطاء فرصةٍ حقيقيةٍ للخطة السياسية الوحيدة التي تملك احتمال إنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. لذلك يتوجب على الغرب القبول، ولو مرحلياً، بأن السعي لتحقيق الدولة الفلسطينية قد يتعارض مع نموذج ديمقراطي مثالي. ناتاليا سيمانوفسكي باحثة سابقة في المجلس الكندي العالمي ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند"