لقد كان نصيب إسرائيل مما يسميه البعض بـ"فصل الربيع العربي" حتى الآن، حدوث أول عمليات انتحارية تستهدف مدنييها في الداخل خلال السبع سنوات الماضية، وكذلك أول إطلاق لمجموعة جادة من الصواريخ على بلداتها الواقعة قرب الحدود المشتركة بينها وقطاع غزة، خلال العامين الماضيين. وربما كان التعامل مع مثل هذه الهجمات الفلسطينية التي تستهدف المدنيين الإسرائيليين هي الأسهل بالنسبة لحكومة نتنياهو. أما الجانب الأصعب منها، فيتمثل في كيفية التعامل مع أوباما. ذلك أن لنتنياهو وجيشه الإسرائيلي ما يكفي من الخبرة والعتاد العسكري لوقف هجمات الفلسطينيين. وبالفعل فقد واصلت الدبابات والمقاتلات الإسرائيلية ضرب أهداف محددة في قطاع غزة، وربما تحدث هذه الدبابات والطائرات دماراً هناك، يفوق مرات عديدة ما تحدثه الصواريخ التي يطلقها الفلسطينيون على إسرائيل. ويعتقد الإسرائيليون أن التفجيرات التي تعرضت لها القدس مؤخراً، ومعظم الصواريخ التي تطلق على البلدات الحدودية، تقف وراءها جماعة "الجهاد الإسلامي" الفلسطينية، وهي في نظرهم ميليشيا صغيرة. ويعتقد أن حركة "حماس" الحاكمة في قطاع غزة، لا ترغب في تجدد نزاع واسع النطاق بينها وإسرائيل، على غرار ما حدث إثر الاجتياح الإسرائيلي المدمر للقطاع في عام 2008. ومن جانبه كذلك يسعى نتنياهو إلى تفادي اندلاع نزاع واسع بينه والحركة، ما يجنب بلاده خطر سقوط صاروخ على مدرسة من مدارس الأطفال، نتيجة خطأ ما في أي من طرفي النزاع. ولكن ماذا عن إدارة أوباما ونداءاتها المتكررة باتخاذ خطوة شجاعة نحو إحياء التفاوض بشأن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة؟ بالنسبة لنتنياهو فربما كان هذا النداء الأميركي، أكبر تحد آني تواجهه حكومته في ظل الأحداث والتطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وهو أكبر بكثير مما مثلته لإسرائيل الثورة المصرية، أو حتى أي اعتداءات يشنها عليها حلفاء إيران. فربما يستنتج الشخص العادي المراقب للانتفاضات التي حدثت في تونس ثم مصر، ثم ليبيا، ثم سوريا مؤخراً، ألا علاقة لأعقد المشاكل التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط بإسرائيل، وأن هوس إدارة أوباما بالتوسط لإبرام صفقة سلام شرق أوسطية بين العرب وإسرائيل، لم يكن له ما يبرره أصلاً. لكن الحقيقة أن أوباما لم يكن الرئيس الأميركي الوحيد الذي سار على طريق هذا الإصرار. فمثله مثل جميع الرؤساء السابقين له، ربما يكون أوباما قد توصل إلى أن أفضل مخرج من الأزمات العربية الأخيرة، هو إطلاق مبادرة جديدة تهدف إلى حث إسرائيل على قبول الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية. وهذا ما عبر عنه مسؤول كبير من البنتاجون، رافق وزير الدفاع روبرت جيتس أثناء زيارته إلى القدس في الأسبوع الماضي بقوله: "إن للإسرائيليين مصلحة استراتيجية كبيرة في الخروج من موجة الغضب الشعبي التي تجتاح المنطقة بأسرها الآن. ذلك أن من شأن المضي في طريق السلام مع الفلسطينيين أن يضع إسرائيل في موقف أفضل بكثير مما يمكن أن تسير إليه المنطقة خلال مدة تتراوح بين ستة شهور إلى عام واحد من الآن". ويصح هذا القول نظرياً بالطبع. غير أن لنتنياهو معضلة ذات وجهين. يتلخص أولهما في أن الرئيس الفلسطيني لم يبد رغبة في التفاوض معه مطلقاً. ويخشى أبومازن كثيراً الالتزام بما يرغمه على تقديم التنازلات الصعبة المؤلمة التي يتطلبها إبرام صفقة للسلام مع خصمه الإسرائيلي، يعلن بموجبها عن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة. والأكثر من ذلك أن "أبومازن" لا يكن احتراماً ولا ثقة بنتنياهو منذ ولايته الأولى لرئاسة وزراء إسرائيل في تسعينيات القرن الماضي. وعليه فإن المرجح أن يلجأ أبومازن ومستشاروه إلى الإعلان عن استقلال الدولة الفلسطينية عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، المقرر انعقادها في سبتمبر من العام الحالي. وربما لا تكون هذه الخطوة مزعجة بالنسبة لنتنياهو، الذي لا يرغب هو الآخر في تقديم أي تنازلات تتطلبها عملية السلام. ولكن ما يزعجه حقاً هو استمرار اعتقاد أوباما بأن الحكومة الإسرائيلية، وليس الطرف الفلسطيني، هي العقبة الرئيسية أمام صفقة السلام. وإذا كان نتنياهو ينوي التصدي لخطة الإعلان عن استقلال فلسطين عبر اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة -وهو ما وصفه وزير الدفاع الإسرائيلي بأنه سوف يكون بمثابة تسونامي دبلوماسي معادٍ لإسرائيل- فلن يكون نتنياهو في غنى عن دعم أوباما له في صد هذا التسونامي إلى نحر الفلسطينيين. وهنا نأتي إلى الوجه الثاني لمعضلة نتنياهو. فقد أصبح هـذا الأخير أمام أصعب التزام يمكنه الوفاء به: إلقاء خطاب -ربما يكون الأهم في تاريخ إسرائيل على الإطلاق- أمام الكونجرس الأميركي، يحدد فيه رؤيته الجديدة لعملية السلام. وحتى تكون هذه الرؤية مرضية لأوباما وأبومازن، فإنه يتعين على نتنياهو أن ينطق بلسانه -على حد قول المحلل الإسرائيلي أكيفا إلدار- تلك الكلمات السحرية التي يعلن من خلالها التنازل التاريخي الأخطر: أن تقوم الدولة الفلسطينية على عودة إسرائيل إلى حدود ما قبل حرب عام 1967. وفيما لو فعل ذلك، فسوف تنقلب عليه الطاولة الإسرائيلية كلها، بمن فيها أعضاء حكومته وائتلافه الحالي. ولذلك فهو ينعم براحة أكبر في خوض المعارك الصغيرة المحدودة مع خصومه الغزاويين، بدلاً في الخوض في بحار الخطر السياسي. جاكسون ديل كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"