منذ ما يزيد على أسبوع، أدى اجتماع حاسم عقد في الأمم المتحدة إلى إطلاق عملية تدخل مسلح في ليبيا. وعقب صدور القرار، ناشد الأمين العام للأمم المتحدة، جميع أعضاء المنظمة تقديم الدعم للإجراء الدولي الخاص بالتدخل في ذلك البلد. لكن يحضرنا هنا سؤالان هما: ما مدى أهمية ختم التصديق الذي تمنحه المنظمة الأممية للقيام بمثل هذه العملية؟ وهل المنظمة قادرة، بعد أن ساعدت على إطلاق الضربات الجوية ضد قوات الزعيم الليبي معمر القذافي، على إيجاد مخرج من الأزمة الليبية؟ للإجابة على هذين السؤالين وغيرهما قد يفيد هنا إلقاء نظرة على الأوهام الخمسة التالية المتعلقة بالمنظمة الأممية: الوهم الأول: قرار الأمم المتحدة يجعل الحرب مشروعه: بداية، يجب توضيح أن هناك فارقاً بين الشرعية والمشروعية. فالقانون الصادر من الأمم المتحدة بحماية المدنيين في ليبيا، وفرض منطقة حظر طيران يجعل الحرب شرعية لأنها تتم بناء على قانون صادر من المنظمة، ولكنه قد لا يجعلها بالضرورة مشروعة. يرجع السبب في ذلك لحقيقة أن العديد من المراقبين، يؤمنون بأن مجلس الأمن بنظام عضويته العتيق الموضوع في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة بالإضافة لحق" الفيتو" الذي تتمتع به القوى العظمى، وما يدور في كواليس المجلس من مفاوضات، بات غير مشروع. الدليل على ذلك، أنه فيما يتعلق بالقرار الأخير، قامت خمس دول هي روسيا، والصين، والهند، والبرازيل، وألمانيا، وهي دول يشكل سكانها 40 في المئة من التعداد الإجمالي لسكان المعمورة، بالامتناع عن التصويت على القرار المذكور، وهو ما يلقي ظلالاً كثيفة من الشك عن مشروعية القرار وعن مدى عمق الدعم الدولي للمهمة. الوهم الثاني: إن إدارة جورج بوش كانت تكره الأمم المتحدة، في حين أن إدارة أوباما تحبها: ليس بالضبط. صحيح أن قيام بوش بشن حرب العراق من دون الحصول على تفويض من المنظمة الدولية قد أكسبه شهرة مستمرة بأنه رئيس يكن نفوراً تجاه المنظمة.. وصحيح أيضاً أن جون بولتون الذي مثله كسفير لدى الأمم المتحدة خلال الفترة من 2005 ـ2006 قد قال ذات مرة" ليس هناك شيء اسمه الأمم المتحدة"، إلا أن ذلك لا يغطي سجل فترة بوش بأكمله، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن نطاق عمليات حفظ السلام قد اتسع بشكل جذري خلال فترة ولايته الثانية. على العكس من ذلك نجد أن العامين الأوليين من ولاية أوباما، كانا من الفترات التي شهدت أداءً من قبل المجلس كان هو الأبطأ في التاريخ الحديث. علاوة على ذلك فإنه وفيما يتعلق بعلاقة بوش وأوباما بالمجلس بصدد الملفات الكبرى مثل العراق، وأفغانستان، وكوريا الشمالية، وإيران، ليس هناك فرق كبير. الوهم الثالث: روسيا والصين يعارضان التدخل الدولي دائما. ليس صحيحا.. ذلك لأن الحقيقة هي أن هذين البلدين قد أذعنا لكافة أنواع التدخل المصدّق عليها من قبل الأمم المتحدة خلال العشرين عاماً الماضية بما في ذلك التدخل في شمال العراق، والصومال، وهايتي، والسودان والآن ليبيا، كما وافقا على تحويل الجرائم المُدعى ارتكابها بواسطة السلطات السودانية، والليبية إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهي محكمة لا ينتميان إليها، ولم يدعماها بشكل فاعل. هناك دول تعارض هاتان الدولتان، أي قرار يتعلق بها -حتى بشكل غير مباشر، بالتدخل فيها مثل تايوان بالنسبة للصين، أو جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق بالنسبة لروسيا. بخلاف هاتين المنطقتين، فإن الدولتين كانتا تخضعان في النهاية لقرارات التدخل في الدول المختلفة خصوصاً، إذا ضغطت الولايات المتحدة والدول الغربية بقوة في هذا الاتجاه.. فهما يستخدمان ما يتمتعان به من حق ممارسة "الفيتو" في التحكم في المناقشات وفي مسار المداولات التي تتم في المجلس بخصوص التدخل في بعض المناطق فقط، أما القول بأنهما يعارضان التدخل على طول الخط فهو قول زائف. الوهم الرابع: الأمم المتحدة منظمة تغلغل فيها الفساد للدرجة التي فقدت معه فعاليتها: في الآونة الأخيرة وصفت" إيلينا روس ـ لهتينين" رئيسة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي الأمم المتحدة بأنها منظمة"مفلسة"، وطالبت بمنع الأموال الأميركية عنها، ما لم تقم بمعالجة ما تعاني منه من" غش" و"فاقد" و"إساءة لاستغلال الأموال". وعندما يناقش النقاد في الولايات المتحدة فضائح المنظمة الأممية فإنهم غالباً ما يبدؤون، بل وينتهون، بفضيحة برنامج النفط مقابل الغذاء، الذي استمر خلال السنوات 1999 ـ2003، ومكن صدام حسين من تسريب مليارات الدولارات من عائدات النفط التي كانت مخصصة لتقديم المساعدات الإنسانية للشعب العراقي. على الرغم من ذلك فإن ما يمكن قوله حول هذه النقطة إن الأمم المتحدة تعاني من بعض مظاهر عدم الكفاءة والفعالية، كما تعاني من مشكلات. بيد أن ذلك عادة ما يكون نتيجة للإهمال وعدم الانتباه وليس نتيجة لفساد الموظفين الأمميين.. فالفساد ليس هو العامل الوحيد المؤدي لعدم كفاءتها الوهم الخامس: إن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة سوف تساعد على تحقيق الاستقرار في ليبيا. مع تطورات الوضع في ليبيا، سوف تصبح الحاجة إلى وجود قوة دولية لإرساء الاستقرار في هذا البلد خلال مروره بفترة انتقالية، ملحة، وسوف يصبح تأسيس مهمة لحفظ السلام تابعة للمنظمة الأممية أمراً مغرياً. ولكن جنود حفظ السلام، قد لا يكونون هم الإجابة. فرجال الخوذات الزرقاء المشهورة يصبحون فعالين عندما يقومون بالفصل بين قوات عسكرية منظمة ومنضبطة، وهو ما لا ينطبق على الوضع في ليبيا. ففي البيئات التي تسود فيها أوضاع سائلة كما هو الحال في ليبيا حالياً، فإن قوات حفظ السلام غالباً ما تفقد اتجاهها. وهناك نقطة أخرى تتعلق بهذا الأمر وهي أن جنود حفظ السلام الذين يتم نشرهم في مثل تلك البيئات غالباً ما يأتون من قوات عسكرية تابعة لدول نامية، وعادة ما تفتقر ـ قوات حفظ السلام ـ إلى المعدات، والتدريب، والتنسيق وهي عناصر لازمة لتنفيذ عمليات إيقاف القتال وتثبيت الاستقرار التي تتسم عادة بالصعوبة والتعقيد. ففي رواندا والبوسنة على سبيل المثال، كانت هناك قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة، ومع ذلك لم تنجح في إيقاف المذابح، لأنها كانت تفتقر إلى الأموال والموارد والتفويض اللازم والمحدد لإيقافها. ديفيد بوسكو أستاذ مساعد في مدرسة الخدمة العامة بالجامعة الأميركية ـ واشنطن دي سي ينشر بترتيب خاص مع خدمة"واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"