في الوقت الذي تعم الثورات وعوامل التغيير المنطقة العربية من أقصاها إلى أقصاها ويحتشد المشهد العربي بالكثير من عوامل التغيير الناعم والخشن والسلمي والدموي استجابة لطموح ورغبات الشعوب، نرى العرب منقسمين بين انخراطهم في الثورات وكوقود وجسور للتغيير والإصلاح على أمل أن يكون غدهم أفضل من أمسهم ويومهم. بينما يبقى بعض العرب والكثير من الغرب منكبين على شؤونهم المحلية وصراعاتهم الداخلية كل في بلده وشأنه الخاص. فالبحرين منشغلة في التعامل مع الفرز الذي طفا على السطح بانقلاب طائفي بتحريض ويد من الخارج تؤججه وتدفع به. والكويت تبقى غارقة في شأنها الداخلي وسط موجات المواجهات بين الحكومة والمجلس المنتخب مع تقديم أكثر من كتلة ونائب استجوابات تطال نصف الوزراء وصولاً لرئيس الوزراء نفسه. فيما يرتفع الشحن المذهبي على خطوط الصدع بين مكونات المجتمع الكويتي الصغير. ولبنان يبقى عالقاً في دوامة الفراغ السياسي وسط شلل كامل بانتظار تداعيات تسونامي القرار الظني بعد شهرين من العجز الكلي في تشكيل الحكومة. فيما تونس ومصر لم تصل فيهما الثورتان إلى نهاياتها المرجوة مع مخاوف من انتكاسات وثورات مضادة واختطاف لإنجازات التغيير. وكان للمشاركة الخليجية سواء في الشأن السياسي بسحب الشرعية من نظام القذافي وقيادة الطرف العربي بفرض منطقة حظر طيران والمشاركة الخليجية في تطبيق حظر للطيران فوق ليبيا دور مهم في إعطاء شرعية وقبول لعملية "فجر أوديسا" التي تسلم قيادة العمليات العسكرية بعد تخبط، حلف "الناتو" لحماية الشعب الليبي. في هذا الوقت ينشغل العرب بثوراتهم التي غيرت المشهد العربي لعقود قادمة وسط صراع بين نموذجين للتغيير- النموذج السلمي في حالتي مصر وتونس والنموذج الدموي في حالتي ليبيا واليمن ومن قد ينضم إلى قطار التغيير من دول تبرز سوريا والعراق وغيرهما. والتساؤل أي النموذجين العربيين للتغيير سيكون النموذج الأمثل والذي سيفرض نفسه؟ في هذا الوقت تتفجر ثورة عربية جديدة في دولة عربية أخرى. ويبدو واضحاً من سياق ما يجري تصارع نموذجين على التغيير الثوري في المنطقة. نموذج التغيير السلمي للحالتين المصرية والتونسية والتي كانت كلفتهما معقولة بالنظر لما أحدثتاه من تغيير جذري وتاريخي. والذي بمجمله ساعد على تغيير النظرة السلبية المترسخة عن العرب بعجزهم عن إحداث التغيير الديمقراطي مع وجود ما يسمى "حالة الاستثناء العربي"،"وفجوة وعجز الحريات". أما حالة التغيير الثانية المقلقة والتي تدفع المشككين بإعادة النظر بالتفاؤل بالتغيير السلمي التي قدمتها مصر وتونس فهي نموذج التغيير الدموي التي يتابعها الجميع بقلق وخوف وهي بالأخص الحالة الليبية التي تحولت من ثورة إلى حرب مفتوحة وتدخل المجتمع الدولي ومعها بمستوى أقل في اليمن وسوريا. لأن الثورات بخواتيمها ونهاياتها، ومع تحول شتاء ثورات الغضب والإحباط العربي السلمي وبسرعة إلى ربيع العرب الدامي. يستمر صراع نموذجي التغيير العربي الذي يصبغ بعض الثورات العربية باللون الأحمر بسبب مقاومة ورفض الأنظمة للتغيير والتنازل أمام قوة الشعب ومطالب الإصلاحات. ويُطرح السؤال الكبير أي نموذج للتغيير ستكون له الغلبة؟ وكيف سيشكل ويرسم ذلك الواقع والمستقبل العربي للنظام العربي القادم ولهؤلاء الذين يشككون بقدرات العرب على التغيير!