في الوقت الذي ربما مثلت فيه أشكال الوقود المشتقة من بقايا العصور الجيولوجية السالفة إطاراً للعمل، حيث انطلق التعاون على مستوى الطاقة بين كل من بريطانيا ودولة الإمارات العربية المتحدة، نجد بأن كلا البلدين سباق على مستوى التطوير والريادة في مجال أشكال التكنولوجيا الجديدة والقائمة على استخدام الطاقة المتجددة والبديلة. وضمن هذا الإطار، فإن "مدينة مصدر" التابعة لـ"شركة أبوظبي لطاقة المستقبل"، تجسد النموذج المهم الذي نرغب في الإشارة إليه، حيث خبرات الشركات البريطانية من قبيل "فوستر أند بارتنرز" ( Foster + Partners )، التي قامت بوضع التصاميم الرئيسية الخاصة بالمدينة كما أنها قامت بإنجاز "معهد مصدر"، الذي جرى تدشينه حديثاً، بينما تقوم شركة موت ماكدونالد (Mott MacDonald) بإنجاز كل أعمال التصميم والتطوير لكل البنى التحتية. وتجدر الإشارة هنا إلى حقيقة أن نسبة استهلاك الطاقة في مبنى مجمع "معهد مصدر" تقل بنسبة 51 في المئة عن الاحتياجات اللازمة لمبنى بمثل هذه الخصائص. من جهةٍ أخرى نجد بأن التعاون بين كل من بريطانيا ودولة الإمارات العربية المتحدة ينعكس مرة أخرى في الجهود التي بذلت في إطار عمل "لندن أري" (London Array)، وهي منشأة تحت الإنشاء في البحر متخصصة في إنتاج الكهرباء بالاعتماد على طاقة الرياح وتقع في منطقة ذي تايمز ايستوري (The Thames Estuary)، والتي يمكنها توفير ما يكفي من الطاقة لنصف مليون مسكن تقريباً. لقد تم وضع الأسس الأولى لهذه المنشأة، كما أنه من المتوقع أن تصبح أكبر منشأة قائمة في البحر لانتاج الكهرباء بالاعتماد على طاقة الرياح على المستوى العالمي حينما يتم إنجازها، وهنا لا بد أن نشير مرةً أخرى بأن "مصدر" هي شريك مهم في هذا المشروع. ومن جانبٍ آخر فقد قامت شركة "مبادلة"، ومن خلال "مصدر" باستثمار أكثر من 1.7 مليار درهم إماراتي في هذا المشروع. وأقرت كل من الحكومتين بأنه يتعين أن تتميز مصادر طاقة المستقبل بالتنوع. "التكيف في بيئة غير واضحة المعالم: عالم من الفرص التجارية"، كان عنواناً لتقرير صادر عن "ذي إيكونومست انتلجنس يونت" (The Economist Intelligence Unit)، تم تقديمه في هذا اليوم بطلب من المملكة المتحدة للتجارة والاستثمار، وهو يركز على تسويق المنتجات والخدمات، التي تُطلق مستوى أقل من الكربون، وفي هذا السياق فقد تم استطلاع آراء 150 شركة قائمة في منطقة الخليج من أصل أكثر من 700 حول فرص إقامة الأعمال التجارية، التي ترتبط بالتكيف في ضوء التغييرات المتوقعة في حالة المناخ العالمي. هذا الأمر لا يدعو إلى الدهشة مع الأخذ بالاعتبار بأن قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة قد حرصت على الالتزام بالتميز بنموذج اقتصادي في المنطقة يستهلك الطاقة التي تطلق كمية أقل من الكربون، وهو أمر يقود إلى التزام أكبر من قبل كل جهات الأعمال، وهكذا فقد أصبح من الواضح بأن إقامة مشاريع الأعمال في المستقبل ستكون تلك التي يمكنها التعامل مع فرص التكيف والتفاعل مع تلك الفرص. الكثير من الشركات البريطانية مثل شركة أتكينز (Atkins) المتخصصة في تقديم الاستشارات الهندسية، والتي كانت مسؤولة عن إنجاز مشاريع مهمة في دولة الإمارات العربية المتحدة من قبيل برج العرب ومترو دبي، قد تخطت التحديات التي واجهتها، حيث أنها تكيفت في إطار الخطط التي تم وضعها لإقامة مشاريع الأعمال على المديين القصير والطويل، كما أن الشركات البريطانية والمتخصصة في تقديم الخدمات المهنية من قبيل بي. دبليو. سي. (PWC) تتمتع بفرق عمل تحرص على تقديم المساعدة لمشاريع الأعمال للنمو في فرص عمل تقع تحت تأثير التغيرات المناخية، فضلاً عن القدرة على التحكم بالمخاطر ذات الصلة. تعمل الحكومة البريطانية كذلك على توفير الدعم للاستثمارات وجانب التحديث لسوق الطاقة في المملكة المتحدة، وذلك عبر إقامة مصرف "جرين انفيسمنت بانك" (Green Investment Bank)، فضلاً عن إطلاق برنامج سوق إصلاح الكهرباء (Electricity Reform Market) الطموح، حيث يمثل هذا الأمر فرصاً كبيرة لإقامة أسس الشراكة في المستقبل، لاسيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار التزام دولة الإمارات العربية المتحدة نحو تبوء مركز الريادة، فيما يتعلق باعتماد الأساليب التي تُطلق كميات قليلة من الكربون. هذا وتشمل النواحي التي تتبع عمليات التطوير إقامة منظومة إنتاج الكهرباء في البحر بالاعتماد على طاقة الرياح، هي الأكبر على المستوى العالمي فضلاً عن إقامة محطة نووية جديدة بمساعدة المملكة المتحدة. وفي الوقت الذي تمثل فيه التغييرات المناخية قضية ستؤثر على واقع الأعمال في كل القطاعات الاقتصادية، نجد بأن إقامة وتحديد وتسيير فرص التحديث والتسويق جانب يتصف بالأهمية. وهكذا فإنه ومن خلال العمل في إطار الشراكة على مستوى الحكومات مروراً بعمل الشركات، نجد هنا بأن كلاً من بريطانيا ودولة الإمارات العربية المتحدة تتمتع بالقدرة على السير في اتجاه يوفر ضمانة للازدهار بالاعتماد على ركيزة التكيف في يومنا هذا وللأجيال القادمة.