مع اجتياح التغيير الثوري لمختلف أرجاء العالم العربي، فمن السهل أن نتصور أن الوقت الآن ليس مناسباً لدفع عملية السلام بين إسرائيل وفلسطين. وإلى أن ينقشع الغبار في الشرق الأوسط، فإن خريطة الطريق القديمة تبدو عتيقة، وقد تشير الحكمة التقليدية السائدة إلى أن التقدم باتجاه إبرام اتفاق سلام في ظل الاضطرابات الإقليمية الحالية ليس مجرد فكر قائم على التمني. بيد أن العكس هو الصحيح. فرغم الجهود العديدة التي منيت بالفشل في الماضي، فإن الفرصة متاحة الآن أمام الولايات المتحدة وإسرائيل للدفع نحو التوصل إلى تسوية دائمة. ويتعين على كل طرف أن يبدأ التفكير في الشرق الأوسط بشكل مختلف. كان النهج القديم الذي تبناه المجتمع الدولي يتلخص في إعطاء الاستقرار الأولوية على الديمقراطية ومتابعة عملية السلام الإسرائيلي العربي على مسار منفصل تماماً. بيد أن هذه السياسة أثبتت فشلها، إذ لم تنته جهود السلام المنعزلة إلى أية نتائج ملموسة. وإذا كانت رغبة الولايات المتحدة وبقية القوى العالمية صادقة في إحراز تقدم فيما يتصل بالأهداف الثلاثة، الاستقرار والإصلاح السياسي والسلام، فيتعين على كافة الأطراف أن تفهم الكيفية التي ترتبط بها هذه الأهداف، وأن تسعى إلى تحقيق ثلاثتها في نفس الوقت وبصورة شاملة. والواقع أن انتقاء واختيار أي التحديات ينبغي أن تكون محل اهتمام أولاً لن يؤدي إلا إلى زيادة خطر تحولها إلى مشاكل مستعصية. كانت الولايات المتحدة متخلفة عن المسار منذ اللحظة التي اندلعت فيها الاضطرابات، في محاولة للحاق بالأحداث مع الإطاحة باثنتين من الحكومات الاستبدادية بفعل احتجاجات شعبية، وفي الوقت نفسه تحاول أنظمة حاكمة أخرى التشبث بالسلطة قدر الإمكان. ويتعين على الولايات المتحدة الآن أن تحتل مركز الطليعة. وبينما تحاول واشنطن والمجتمع الدولي معالجة الأحداث المتلاحقة، فسيكون من الخطأ ترك عملية السلام خارج الأجندة. ففي حين تتعلق مطالب المتظاهرين العرب بالحكم في الداخل، فإن الاضطرابات الحالية يمكن استخدامها كوسيلة للمساعدة في إنهاء الصراع الذي أربك العالم طيلة عقود من الزمن. إن تأخير عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية يشكل خطأً باهظ التكاليف. وكما تعلمنا من الخبرات المريرة فإن الانتظار لن يؤدي إلا إلى تعقيد فرص التوصل إلى تسوية سلمية. التعاطف مع توق الجماهير العربية للحرية والديمقراطية لا ينفصل عن التعاطف مع حلم الفلسطينيين بالحياة الكريمة والاستقلال، وهو ما يتضمن في نظر هذه الجماهير إنهاء الاحتلال بطبيعة الحال. لذلك يتعين على الولايات المتحدة ألا تكون انتقائية في دعمها للحرية والديمقراطية. ولم يكن هذا أكثر صدقاً مما هو عليه اليوم، وإذا لم ير الناس أميركا باعتبارها نصيراً حريصاً على حل الدولتين، فإنها سوف تظل متخلفة كثيراً عن المسار وسوف تضر بمصالحها في الشرق الأوسط. ويتعين على إسرائيل أيضاً أن تعيد النظر في سياساتها. ففي ظل النتائج المترتبة على الإصلاح السياسي، لن يصبح بوسع إسرائيل الزعم بأنها واحة الديمقراطية الوحيدة في صحراء الشرق الأوسط. ومع تغير الظروف على الأرض سوف يكون من الصعب على نحو متزايد أن نتجاهل مطالبة الفلسطينيين بالاستقلال. وسوف تتحول مخاوف إسرائيل من تزايد العداء لها في المنطقة إلى حقيقة واقعة إذا رأت الأنظمة الديمقراطية الجديدة أن إسرائيلية تعرقل الخطوات نحو التوصل إلى حل ناجع وعادل. وفي الوقت نفسه فإن عملية السلام المدعومة من قِبَل حكومات عربية منتخبة وأكثر شرعية، سوف تساعد على ترسيخ السلام والاستقرار على المدى البعيد. ومع تضاؤل الفرصة السانحة لحل الدولتين بسرعة، فإن التسوية السريعة تصب في مصلحة الجميع. أما الانتظار والتعلل بالأمل في ظروف أكثر ملاءمة فقد يأتي بنتائج عكسية تماماً. وإذا لم يبدأ التحرك نحو السلام مع تبلور الأنظمة الديمقراطية العربية الجديدة، فإن وجهات النظر السلبية إزاء إسرائيل والولايات المتحدة سوف تصبح أكثر تصلباً. وكما شهدنا جميعاً في الأشهر الأخيرة، فإن الرأي العام العربي يشكل أهمية واضحة. والتصورات السيئة لن تسفر إلا عن تعقيد جهود السلام في المستقبل، وجعل التوصل إلى إنجاز حقيقي أبعد منالاً. لاشك أن دور الولايات المتحدة سوف يصبح أقل تأثيراً في الشرق الأوسط الجديد في ظل حكومات جديدة أقل تسامحاً مع استمرار الاحتلال. وإذا زعمنا أنه لا يمكن صنع السلام في ظل حكومات وأنظمة تمر بفترة من التغيير، فإننا بهذا نتجاهل حقيقة مفادها أن الجهات الخارجية في مثل هذه الظروف على وجه التحديد تصبح قادرة على مد يد المساعدة في صياغة العملية. وبدلاً من العمل في بيئة تتسم بقدر أقل من النفوذ أو حيز أصغر للمناورة، فإن دفع عملية السلام الآن من شأنه أن يساعد في تقريب الجماهير العربية من الغرب ومنح الولايات المتحدة مزيداً من النفوذ في الشرق الأوسط الجديد. والواقع أننا لم نعد قادرين على تقبل مفاوضات ثنائية لا تنتهي بين إسرائيل وفلسطين؛ إذ لابد أن يكون الحل إقليمياً. إن الشرق الأوسط في الغد لم يعد كما كان قبل شهرين فقط، لكن الهيئة التي سوف تتخذها المنطقة في نهاية المطاف ليست معلومة على وجه اليقين. والولايات المتحدة لديها فرصةٌ الآن للانحياز إلى الجانب الصحيح من التاريخ والمساعدة في تشكيل اتجاهه من خلال دعم الإصلاح الحقيقي ودفع عملية السلام المتوقفة. وفي النهاية، يتعين علينا أن ندرك أن الثورة على الحكم الرديء تمثل فرصة لتحقيق الاستقرار والسلام، وليس الديمقراطية فحسب. إن هذه الأزمة، شأنها في ذلك شأن العديد من الأزمات التي سبقتها، تمثل فرصة يُعَد إهدارها خطيئة لا تغتفر. ----------------------------------- مروان المعشر وزير خارجية الأردن الأسبق خافيير سولانا الأمين العام الأسبق لـ"الناتو" ----------------------------------- ينشر بترتيب مع خدمة "بروجيكت سنديكيت"