في الوقت الذي تحاول فيه اليابان احتواء آثار أسوأ مأساة نووية منذ كارثة تشرنوبيل، تراقب قارة آسيا، التي تضم واحداً من البرامج النووية الأسرع صعوداً في العالم ما يحدث بقلق كبير. فبسبب الكارثة التي تتكشف تفاصيلها تدريجياً في اليابان، تقوم الدول المختلفة في الوقت الراهن بإعادة تقييم الأوضاع في منشآتها النووية القائمة. وعلى الرغم من أن نظام الأمان في المفاعلات النووية اليابانية، يعتبر من ضمن الأفضل في العالم، فإن التطورات التي نتجت عن الزلزال والمد البحري الذي حدث هناك تثبت أن ثمة أخطار حقيقية تكتنف صناعة الطاقة النووية بشكل عام، وأنه ليس هناك مفاعل مهما كانت درجة الأمان والحماية المطبقة فيه، بمأمن تام من الكوارث الطبيعية. والهند التي تمتلك واحداً من أكثر البرامج النووية طموحاً في العالم، والتي ينسب إليها فضل الصحوة النووية السائدة في العالم في الوقت الراهن، هي واحدة من الدول التي يتفاقم فيها القلق بشأن المخاطر النووية. ومن المعروف أن خطط التوسع الحكومي في الهند، تشمل إقامة أربع منشآت للطاقة النووية في مختلف أنحاء البلاد، وشراء 21 مفاعلاً نووياً - على الأقل - من دول مختلفة. ومن غير المرجح، أن تؤدي التطورات التي وقعت في اليابان إلى تغيير خطط الحكومة الطموحة في هذا الشأن؛ لكن موقف الرأي العام الهندي حيال الطاقة النووية يتوقع أن يتغير، نتيجة مباشرة لما يحدث في اليابان. ويعد رئيس الوزراء "مان موهان سنج" واحداً من كبار المؤمنين بأن الطاقة النووية هي إحدى الوسائل التي يمكن بها تعويض نقص الطاقة المتزايد في الهند، ومن الواضح أنه يدرك إدراكاً تاماً ماهو معرض للخطر، أو ما هو موضع رهان. فعقب إعلان الأنباء المتعلقة بزيادة مستويات التسرب النووي في اليابان، دعا"سنج" إلى اجتماع لرؤساء "مفوضية الطاقة النووية الهندية" لمراجعة إجراءات السلامة الخاصة بالمنشآت النووية الموجودة في البلاد. من المعروف أن المؤسسة الهندية للطاقة النووية المحدودة، التي تحتكر عملية تشغيل جميع المنشآت النووية في البلاد، قد قامت بسرعة عقب إعلان هذه الأنباء بإجراء عملية مراجعة لإجراءات الأمان الخاصة بـ20 منشأة نووية تعمل في الهند. ووعدت الشركة بالقيام، عقب انتهاءها من المراجعة، باتخاذ كافة الإجراءات وعمل جميع التعزيزات اللازمة، كما وعدت أن العملية بكاملها ستكون شفافة، وأن المؤسسة ستقوم بمشاركة الجمهور في كافة المعلومات التي ستتوافر لها. ويشار إلى أن مفوضية الطاقة النووية، وإدارة الطاقة النووية، قد أكدتا لمستشار الأمن القومي الهندي "شيفشانكار مينون" أن التصميمات الخاصة بالمنشآت النووية في الهند، وبوحدات تخزين الوقود المستنفد الموجود تختلف عن بعضها. مع ذلك، لم تؤد الاجتماعات والشروحات من قبل كبار التكنوقراط والمسؤولين المحليين، إلى تخفيف درجة القلق في أوساط الجمهور، الذي يرفض أفراده رفضاً قطعياً، العيش بالقرب من المنشآت النووية. والتأثير الأكثر مباشرة لما حدث في اليابان، هو ما نراه حالياً في موقع"جايتابر" بالقرب من بومباي حيث يبني الفرنسيون بالمشاركة مع المؤسسة الهندية للطاقة النووية المحدودة، عدة مفاعلات نووية. فقد قوبل هذا المشروع النووي بمقاومة شديدة من الناس، الذين يعيشون في القرى المجاورة، والذين يعبرون عن مخاوف تتعلق بالأمن، والتأثير على البيئة، والخوف من فقدان مصادر رزقهم بعد اكتمال المشروع. من المتوقع أن تصّعد اليابان من معارضتها للخطة الهندية، لبناء مفاعل نووي في "جايتابر". فمن المعروف أن مرصد المسح الجيولوجي التابع للحكومة الهندية، قد اكتشف أن الموقع الذي اختير لبناء هذا المفاعل والمناطق المحيطة به قد تعرضت لـ91 زلزالاً خلال الفترة ما بين 1985و2005 وصلت قوة أقواها إلى 6.3 على مقياس ريختر. ومنشأة "جايتابر" النووية التي تبلغ طاقتها حسب المعلومات الرسمية 9.900 ميجاوات تصنف بأنها الأكبر في العالم، وهو الشيء الذي دفع أحزاب المعارضة الهندية للدخول في سجالات حادة تشير من خلالها إلى أنها ستعارض إكمال مشروع"جايتابر". علاوة على ذلك بدأ سكان "رية جايتابر" حملة عنيفة ضد المنشأة خصوصاً بعد أن عرفوا ما حدث في اليابان على الرغم من إجراءات الأمان النووي المتفوقة هناك. بالنسبة للهند، يمكن القول إن من بين الأشياء موضع الرهان، ذلك التعاون القائم بينها وبين بعض الدول في المجال النووي. ففرنسا تتطلع إلى بناء مفاعل أوروبي مكيف الضغط بطاقة 1600 ميجا وات في الهند، كما أن روسيا وافقت بالفعل على تزويد الهند بشحنات من وقود اليورانيوم للمفاعلات النووية، وعلى تزويدها بالتقنية النووية المتقدمة لإنشاء المفاعلات النووية، كما تتطلع الولايات المتحدة إلى تحقيق مكاسب من خلال التعاون مع الهند في مجال الصناعة النووية تصل حسب التقديرات إلى 150 مليار دولار. والتأثير المباشر للكارثة النووية في اليابان يتمثل في أن الاتفاقيات النووية التي كان يتم التفاوض بشأنها بين الهند واليابان سوف يتم تعليقها لبعض الوقت، كما تشير التوقعات. ومن المعروف أن الهند كانت تتفاوض على صفقة مع اليابان يتم السماح بموجبها لشركتين أميركيتين كبرتين هما "جنرال إلكتريك"، و"وستنجهاوس"بالعمل في الهند. ونظرا لأنهما شركتان مملوكتان كلياً أو جزئياً من قبل اليابان، فإنهما لا يستطيعان تزويد الهند بالتقنية أو بالمعدات، من دون اتفاقية نووية ثنائية. وبشكل عام يمكن القول إنه من الصعب في الظروف الحالية تمرير أي صفقة نووية. من ضمن تأثيرات الكارثة التي وقعت في اليابان تلك المتعلقة بما يعرف بمشروع قانون المسؤولية النووية الذي يتعين على البرلمان الهندي تمريره قبل أن تدخل أي شركة من الشركات الأجنبية العاملة في المجال النووي السوق الهندية. ويشار إلى أن النسخة السابقة من هذا القانون، كان ينظر إليها على أنها متساهلة أكثر من اللازم مع اللاعبين النوويين الأجانب. ومع التطورات التي تحدث في اليابان، فإنه ليس من المرجح لحد كبير أن تتمكن الحكومة من تمرير قانون للمسؤولية النووية في البرلمان، ما لم يكن هذا القانون حازماً في تحديد المسؤولية النووية التي تقع على الشركات الأجنبية في حال وقوع كارثة نووية في منشآت تلك الشركات أو حدوث خلل في الطريقة التي تدير بها المفاعلات. ليس ثمة شك في أن هناك العديد من الدروس التي يمكن للهند تعلمها مما يحدث باليابان في الوقت الراهن. د.ذِكْرُ الرحمن مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي