مهما كانت درجة حكمة المسؤول أوالقائد، فهو بحاجة إلى أن يكون من حوله حكماء، يساندونه بالرأي السديد والمشورة الصائبة، فكونه بشراً، فهو عرضة للصواب والخطأ. ومن هنا وجب عليه الأخذ برأي من حوله من الناس، ولكن ليس كل الناس. حول المسؤول في بعض الدول العربية، مجموعة من النفعيين الذين يقدمون مصالحهم الخاصة على مستقبل الأوطان والإنسان، وهمهم يتلخص في المزيد من الثراء، لذلك فإن كل من له مصلحة من هذا النوع، لا يصلح أبداً أن يكون في درجة الاستشارة في مجال العامة. ومن حول المسؤول كذلك مجموعة من أهل السمر الذين يصلحون للقيام بأي شيء ماعدا الاستشارة، والفئتان من البشر لهما شعار واحد في الحياة، وعندهما كلمة سقطت من قاموسهما ألا وهي كلمة لا، فهما كي يضمنا ود الزعيم، لا يفكران أبدا في قول لا. هؤلاء في تصوري هم من أغرقوا الشارع العربي اليوم بدماء الأبرياء، وهم أول من تخلى وتبرأ من رئيسه، فهل آن للقادة العرب أن يصنفوا الناس الذين من حولهم كي يتمكنوا من معرفة الحكيم الذي ينبغي أن يستشار ويشار. أهم سمة في هذا الإنسان حريته في قول كلمة لا، متى ما كان قولها لمصلحة الإنسان والأوطان. وتمثل في عالمنا المعاصر مراكز الدراسات والأبحاث أهم مصادر الحكمة التي ينبغي أن يؤخذ برأيها ويستمع إلى طرحها، وكعادته نجح مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في تنظيم فعاليات مؤتمره السنوي، والذي جاء استجابة للمتغيرات والأحداث التي تجري من حولنا، كما أن المركز تميز كذلك في اختيار الشخصيات العالمية التي هي محل استشارة دولية في الكثير من القرارات، ولعل من أبرز المتحدثين في المؤتمر وهم كثر "كولن باول" الذي قال في كلمته: "إن التغيرات التي يشهدها الشرق الأوسط ستكون سلسة في بعض الدول وعسيرة في أخرى، وذكر أن الطوفان الذي يجتاح المنطقة سيصل إلى جميع البلدان، وإذا كانت القيادة تتمتع بالحكمة وبعد النظر، فبإمكانها الاستفادة من القوة الدافعة لهذه الموجة في إصلاح نفسها، وتحقيق مستقبل أفضل، وتوفير حياة كريمة لشعوبها". ومن الحكمة العالمية أقتطف لكم كذلك ما كتبه وزير خارجية بريطانيا "وليام هيج "في صحيفة "التايمز" حيث قال:"إن التعطش إلى تعزيز الحرية السياسية والاقتصادية يواصل تجميع زخم لا يمكن وقفه في صفوف الشباب في العالم العربي، وإن هذه الأحداث جاهزة للتفوق على أحداث 11سبتمبر، لتصبح أهم التطورات في القرن 21، وإن الطلب على الحرية سينتشر، وأنه ينبغي على الحكومات غير الديمقراطية أن تصغي بانتباه". ومن هنا جاءت توصيات المؤتمر السنوي الـ 16 للمركز متماشية مع هذا الطرح العالمي، فقد أكد المؤتمرون على أن دول مجلس التعاون لديها ديمقراطية خاصة متأصلة الجذور ومتعمقة في تقاليد الوطن، وفي الوقت نفسه، أوصى المؤتمر بأن تكون هناك مشاركة سياسية فاعلة لتحقيق التنمية وإرساء المستقبل، إذا كانت حاجة الحكام إلى حكماء أساسية في الماضي، فهي ضرورية في الوقت الراهن.