ليبيا على طريق العراق. والأمة العربية من المحيط إلى الخليج على الطريق ذاته. هكذا يسقط الحلم وهكذا يتغيّر الطريق. كان الحلم والأمل أمة عربية واحدة، وطريقاً يجمع ويوحّد سياسياً، وسوقاً عربية مشتركة، ودوراً اقتصادياً كبيراً، وحضوراً سياسياً مقرراً، وتنمية مستدامة من خيرات لن تكون دائمة إلى الأبد... نعم، هي ليبيا اليوم تقع بين خطرين: خطر النظام، ذهنية ومنهجاً وأسلوباً وأهدافاً لا تؤدي إلا إلى حرب أهلية باعتراف أهله. وسوء تقدير يفاقم الخطر، وسوء تصرف وإدارة يستفز الأقربين، فكم بالأحرى المستهدفين؟ فجأة انكشف النظام أمام أبنائه وأمام العالم. كان توهّم أنه رتب أموره مع الغرب. فإذا باعهم أسراره النووية والمالية والسياسية وفتح أمامهم أغواره وآباره النفطية، تسنى له الحكم إلى الأبد دون سلطة، ودون أن يكون له موقع رسمي! فهو قائد أنزل منذ أكثر من أربعين عاماً ليموت الناس من أجله... وبالتالي مستعد لكل منازلة! لم يسمع نصح صديق، أو قريب، أو حليف، أو حريص. ولم يتعلم من تجارب زميل قديم، هو صدام حسين، أو من تجارب زملاء جدد مثل زين العابدين بن علي، وحسني مبارك، وعلي عبد الله صالح، ولم يقرأ كل الأحداث، التي أطاحت بهم وبثروات ومقدرات بلادهم بوسائل مختلفة. والخطر الثاني هو الخطر الأميركي الداهم الدائم. نعم، أميركا التي أخذت كل شيء من قائد الثورة في ليبيا، وعقدت معه الصفقات والتسويات ثم أنبرت لضربه. تماماً كما فعلت مع كل الأنظمة الدكتاتورية في العالم، ومع قادتها، ورموزها الذين ربتهم، ومولّتهم، وحمتهم. استخدمتهم، استفادت منهم، ثم رمتهم، محملة إياهم مسؤولية ما جرى في دولهم. وإلى جانب الأميركي، نرى الاندفاع الفرنسي اليوم بقيادة الرئيس ساركوزي الذي خرج ابن ملهم الثورة، سيف الإسلام القذافي ليهدده بكشف الوثائق، المتعلقة بالأموال التي دفعت له كتمويل حملته الانتخابية، فوصل إلى الرئاسة الفرنسية لكنه "خان الأمانة" وتنكّر لمصالح الشعب الليبي، فلا بدّ من فضحه ومن مطالبته بإعادة المال إلى أصحابه! ونسي القذافي الابن أن ثمة في أميركا خصوصاً وفي الغرب عموماً من يعتبر أن هذا المال يجب أن يعود إلى أصحابه الأساسيين الذين ليسوا أبناء ليبيا والعراق والخليج و... أصحاب المال هم الغرب، هم الشركات الكبرى، لأنهم أصحاب الفضل... نعم هذه حقيقة ثابتة في تفكير وممارسة عدد من قادة أميركا والغرب ويدرجها البعض في خانة القاعدة الأساسية في تفكيرهم الإستراتيجي نحو المنطقة. وإلى جانب أميركا وفرنسا، ثمة خطر غربي يتمثل في السياسة البريطانية، ثم حلف الأطلسي. وأمام كل هؤلاء إسرائيل المتربصة، للاستفادة من كل حدث، وتبرير سياستها، ومواقفها، وحصد المزيد من المكاسب. ومن هذه المخاطر تتفرع مخاطر أخرى تتعلق بالممارسة السياسية. صدر قرار مجلس الأمن لفرض حظر جوي فوق ليبيا تحت عنوان ضرورة حماية المدنيين. هذه سابقة. أصبحنا أمام تدخل عسكري، وضربات مباشرة لقواعد عسكرية، ومنشآت، ولا بد من وقوع خسائر بشرية. القذافي ورجاله وأدواته مثلوا فيلم صدام حسين. عنتريات، بطولات، تقدم إلى الأمام، واستخدام الناس دروعاً بشرية حول مقرات القيادة، واستمرار القصف، والزحف، نحو مدن ليبية. قد يطول وقت هذا الفيلم الدموي، لكن في النهاية سينتهي إلى النتيجة العراقية. دولة عربية غنية، وقادرة على لعب دور أساسي في محيطاتها الأفريقية والأوروبية والعربية، ستصبح دولة فقيرة ضعيفة، منهكة القوى مدمرة المنشآت والمؤسسات، ووحدتها الوطنية مكسورة وشعبها يزداد فقراً والغرب يسيطر على منابعها وثرواتها. والقرار الأممي وطريقة تنفيذه، هو رسالة إلى كل الأنظمة والقادة. إذا أطلقتم النار على شعبكم، إذا استخدمتم القوة سيكون تدخل دولي ضدكم، يبدأ بعنوان حماية المدنيين، وينتهي بنتيجة تنحيكم وخروجكم من السلطة. هذه ظاهرة جديدة. رغم التناقضات التي ظهرت في مواقف قادة الدول مثل التردد الأميركي، والإرباك في المواقف على مستوى عدد من المسؤولين البارزين، حيث قال بعضهم إن الهدف حماية المدنيين، ولا تغيير للقيادة، في حين أصّر آخرون على القول إن العملية ستنتهي برحيل القذافي، الذي لا بد من رحيله!! أو بالخلاف العلني القوي بين مدفيديف وبوتين في روسيا. فالثاني اعتبر التدخل حملة صليبية – استخدم التعبير ذاته القذافي – والأول رفض هذا الكلام. أو في الإرباكات الإيطالية وغيرها. المندفع الأول كان ساركوزي الفرنسي ولا يزال. هذه الظاهرة تزيد المخاطر، لأننا أمام نوع من القادة غير الواضحين، والقادرين، والمتماسكين، والمدركين ما يجري، والمتخبطين بحسابات كثيرة، والمترددين وهذا قد يؤدي إلى قرارات غريبة عجيبة، لكنها في النهاية تدمّر العالم... أما العرب، فهم شركاء في الخطرين وضحايا الخطرين. خطر النظام في ليبيا، وخطر التدخل الأميركي – الغربي. فالقرار الدولي صدر بناءً على موقف من الجامعة العربية. وبالتالي وافق العرب على قرار إسقاط أنظمتهم هكذا حتى ولو تحفّظ البعض. إلا أن الغرب سجّل سابقة. وإذا كان ثمة استنسابية اليوم في التعاطي فإن المبدأ قد أقر وقد يتم اللجوء إليه في أي ساعة. العالم العربي ينهار، تدمّر إمكاناته وقدراته وتسقّط أنظمته الواحد تلو الآخر، وإسرائيل تستفيد من كل شيء. وتتعززّ إمكاناتها وقدراتها وتستغل عنصر عدم الاستقرار في الدول العربية لتحذر من تنامي دور "الإرهابيين" – وفق تعريفها – وتطالب بالمزيد من المساعدات لضمان أمنها واستقرارها! وتستمر في سياستها العدوانية ضد الفلسطينيين، واستباحة كل الأجواء والأراضي وارتكاب المجازر، ولا كلمة ضدها ولا نقد لها، ولا محاولة لقرار حظر جوي ضدها لا في فلسطين ولا في لبنان لفرض تطبيق القرار 1701! وإيران تدخل على خط الأحداث. وكل هذا يسعّر النار... ممارسات قادة السقوط لا يمكن أن تؤدي إلا إلى سقوط القادة... حمى الله ما تبقى من هذه الأمة. غازي العريضي وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني