يعد المؤتمر السنوي لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بأبوظبي تظاهرة فكرية سنوية، المركز الذي احتفل بالذكرى السابعة عشرة لتأسيسه قبل أيام، أصبح معلماً من معالم الإمارات الفكرية، ومركز إشعاع للمعلومة والتحليل العلمي الموضوعي لقضايا المنطقة والعالم. وقد عقد المؤتمر السنوي للمركز الأسبوع الماضي بعنوان "التطورات الاستراتيجية العالمية: رؤية استشرافية"، وكان لي مشاركة متواضعة في محور التطورات في منطقة الخليج ومفادها الآتي: ضرورة العمل على تحول دول مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد كونفدرالي، مع لعب دول المجلس دوراً عربياً قيادياً لسد الفراغ السياسي العربي الراهن. الكونفدرالية الخليجية ضرورة تدفع بالعمل الخليجي المشترك قدماً، وتوجد كتلة خليجية عربية هائلة، مساحتها مليونان ونصف كيلومتر تقريباً، بعدد سكان يقارب الثمانية والثلاثين مليوناً، وإمكانات اقتصادية هائلة مع فوائض مالية كبيرة نتيجة القفزة العالية في أسعار البترول. الكونفدرالية الخليجية تتحقق على عدة مستويات: قانونية تأخذ شكل محكمة عدل خليجية تنظر في النزاعات التي قد تطرأ بين الدول الأعضاء وتكون قراراتها ملزمة ونهائية. وعلى الصعيد العسكري، فمن الضروري إحياء فكرة الجيش الخليجي الموحد التي طرحها سلطان عُمان- السلطان قابوس بن سعيد- عام 1991 بعد تحرير الكويت. فمن شأن هذا الجيش أن يوحد القيادة العسكرية، ويواجه الخطر الإسرائيلي ويخلق توازناً بمنطقة الخليج العربي. ويعمل الجانب الاقتصادي لهذه الكونفدرالية على ترجمة قوانين السوق الخليجية المشتركة التي أقرت في قمة الدوحة عام 2007، والتي لا زالت تتعثر أمام بيروقراطيات الإدارات والوزارات المتعددة في دول المجلس، ويسارع في سن القوانين الاقتصادية التي من شأنها توثيق الأواصر بين شعوب المجلس، وتقوية التجارة البينية بين الدول الأعضاء. ولا بد من خلق عامل تشريعي للكونفدرالية الخليجية يتمثل في برلمان خليجي، وليكن معيناً في بدايته على أن تكون جلساته علنية، ويعطي حرية وضع تصورات وتشريعات كونفدرالية، كما يمكن أن يشكل عامل رقابة على المؤسسات والدوائر المختلفة في دول المجلس، والتي يمكن أن تتلكأ في تنفيذ قرارات القمة. وقد جادلت في مداخلتي كذلك بضرورة التعجيل بخلق صندوق مارشال خليجي يستثمر الفوائض النفطية في مشاريع عربية مشتركة، تنتهج فلسفة مختلفة عن فلسفة الماضي التي تتعامل مع الدكتاتوريات العربية مباشرة، والتي غالباً ما تصادر المساعدات الخليجية الموجهة لتلك البلدان دون أن تحصل شعوبها على شيء منها. إن سقوط الدكتاتوريات العربية، ينبئ بعصر عربي جديد، وعلينا في الخليج أن نساهم بتشكيله بما يضمن لنا رص هذه الدول الجديدة إلى جانب الموقف العربي، وبما لا يستعدي شعوبها ضدنا. إن على دول الخليج المسارعة بإنشاء صندوق خليجي اقتصادي لمساعدة مصر-تحديداً وقبل أي قطر آخر- على النهوض من آثار ثورتها وتغيير نظامها، ويعتمد هذا الصندوق على شفافية تعاملاته ومصروفاته، ويكون موجهاً لمشاريع تنموية بإشراف خليجي مشترك مع مؤسسات مصر الديمقراطية القادمة. إن مثل هذا الصندوق ليس بمنة، وإنما هو واجب وحاجة خليجية مثلما هي مصرية، فمصر قلب العرب وقوتها قوة لنا جميعاً، وبضعفها وتضعضعها ضعف للعرب ولنا في الخليج تحديداً. إن الكونفدرالية الخليجية من شأنها خلق كيان عربي جديد ومؤثر، يملأ الفراغ السياسي العربي: فمصر دورها معطّل وإن مؤقتاً، وسوريا مشغولة بعزلتها وثورتها وعلاقتها بإيران، والعراق منهمك على ترسيخ محاصصته الطائفية، واليمن وليبيا مشغولتان بعلي عبدالله صالح والقذافي على التوالي، والمغرب والجزائر يعيشان مخاضاً عسيراً، وتونس لم تتعافَ من مرحلة بن علي وآثارها بعد...وهكذا. إذن يبقى الدور الخليجي لقيادة الأمة العربية في هذه المرحلة مسئولية تاريخية حساسة والوقت يداهمنا! سعد بن طفلة العجمي