يعاني العالم النامي من خلل في أهداف التنمية واستراتيجياتها وتطلعاتها، دع عنك جانباً التكتيك الذي تتبعه الدول النامية لتحقيقها، وينتج عن ذلك وجود خلل في معدلات النمو فيها. وبالتأكيد يوجد نمو جيد وآخر رديء، فالنمو الجيد له مثال فيما حققته الاقتصادات الآسيوية، والنمو الرديء يتمثل في عدد من الدول التي أمكنها تحقيق معدلات وطفرات عالية، لكن في نفس الوقت الذي بقيت فيه شرائح عدة من المجتمع، وهي ترزح تحت نير الفقر. إن الأقطار التي أنجزت على صعيد التنمية هي تلك التي جعلت من القضاء على الفقر هدفاً لسياسات التنمية عوضاً عن أن تكون نتيجة ليس إلا. وعلى هذا الصعيد تعتبر ماليزيا مثالاً جيداً لهذه الفكرة، ففي عام 1971 دشنت حكومتها خطة تنموية سميت "تحقيق النمو مع تحقيق العدالة"، وعن طريق التركيز على التصنيع وتنويع الصادرات والتنمية الريفية والتوظيف عبر مشاريع الأعمال العامة الحضرية والشراكة بين الدول والقطاع الخاص، تمكنت ماليزيا من تخفيض نسبة البطالة بشكل منقطع النظير، وتخفيض حالة الفقر في البلاد من نسبة كبيرة بلغت 49 في المئة عام 1970 إلى ما بين 3 إلى 5 في المئة مع نهاية عام 2010. ونتيجة لذلك عملت الأمم المتحدة، والبنك الدولي، على إبراز ماليزيا، كمثال لكيف يمكن أن يتم طرق مشكلة الفقر، في محتوى من تحقيق النمو الاقتصادي، وقامت هاتان المنظمتان الدوليتان، بالإضافة إلى صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، بتبني عناصر من برنامج ماليزيا التنموي في الدفع إلى الأمام لما يعرف بـ"أهداف القرن التنموية". لقد تم تدشين هذا البرنامج الطموح في سبتمبر 2000، وهو برنامج ينادي بجعل حق التنمية حقيقة لكل فرد في سبيل تحرير كافة أبناء البشرية من الفاقة والعوز، وجعل البرنامج هدفه الأول هو القضاء المبرم والقطعي والنهائي على الفقر والجوع في هذا العالم. وفي نهاية المطاف، تنادي أهداف القرن التنموية إلى خفض عدد الفقراء في العالم إلى النصف مع حلول عام 2015، ومكافحة الإيدز مع حلول عام 2015، والعمل على الاستقرار البيئي. لكن لسوء الحظ لم تنظر دول الغرب إلى هذا المشروع بالجدية المطلوبة، ففي الولايات المتحدة ينظر العديد من البشر إلى الأمم المتحدة على أنها مظهر من مظاهر العالم القديم، خاصة فترة ما قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، لذلك كان من السهل عليها تجاهل أهداف القرن التي ترعاها الأمم المتحدة. لكن هذا التجاهل ليس في محله، فالتعاون الدولي وإنْ كان بسيطاً دائماً ما يؤتي أكله، خاصة إذا صدقت النوايا. صحيح أن مشروع القرن طموح جداً، ونحن الآن في عام 2011 ولم يتحقق منه الشيء الكثير حتى الآن، لكن مثل هذه المشاريع لا يمكن أن تتحقق بين ليلة وضحاها، لأنها تحتاج إلى الكثير من الموارد والإمكانيات والجهد والمثابرة. ويشير السجل البشري إلى أن الرهان على تحقيق الخير للبشرية دائماً ما يكون رابحاً، لذلك فإن العالم سيحقق الكثير إذا ما تعاون على تنفيذ مشروع القرن التنموي.