إذا كان الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، قد أصبح اليوم ضرورة، فإن الإصلاح التعليمي يعتبر على رأس الأولويات في أجندة الإصلاح الشامل الذي ينتظره الكثيرون ويتطلعون إليه. فالعلاقة وثيقة بين تلك الأبعاد وبين التحديات التي تواجه الشعوب والأوطان حالياً، سواء أكانت داخلية أم خارجية. فالتعليم له دور مؤثر في عملية التنمية البشرية، بل هو حجر الزاوية في البناء المجتمعي، وذلك لتوسطه في عملية التفاعل بين الأبعاد الأخرى المكونة للبناء الكلي. ولو نظرنا إلى خريطة التعليم العربي لوجدنا أن غالبية الدراسات تشير إلى أنه رغم المال الكثير الذي أنفق عليه وعلى برامجه ومشاريعه التطويرية، فإنه ما زال يعاني من ضعف شديد، سواء على مستوى الجودة والأداء أو الكفاءة ونوعية المخرجات، وأنه لم ينجح حتى الآن في إرساء نموذج تربوي عربي قادر على البناء والخلق، لاسيما في المجالات العلمية والتكنولوجية والصناعية. وهكذا فبسبب التعثر التربوي، لم يحقق العرب معادلة النهضة بأي من أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمعرفية، رغم الإنفاق الهائل على التعليم، والذي يفوق إنفاق كثير من الدول التي حققت مستوى عالياً من التقدم العلمي والتقني بفضل التطور الذي أنجزته في المجال التعليمي. بل تحول التعليم العربي إلى عامل لإنتاج مشاكل البطالة والفقر والطبقية وعدم تكافؤ الفرص. وقد أجمع المختصون التربويون على أن المشكلة تكمن في سوء الإدارة وعقم المناهج وغياب فكر الجودة... مما أدى إلى تقييد فرص الإبداع والابتكار وغياب النظرة التكاملية في تكوين وإعداد إنسان المستقبل القادر على تحقيق معادلات الحرية والديمقراطية والعدل الاجتماعي، وتكوين عقل عربي قادر على الإنتاج والإنجاز والادخار والرشد في الاستهلاك. إن المعطيات المتوفرة، سواء فيما يتعلق بالتجارب والمشاريع والخطط التربوية، أو فيما يتصل بالعقول التي قادت التعليم وتقوده، تشير إلى فشل عربي كبير في تحقيق النتائج والإنجازات التي جنتها أمم أخرى غيرنا في زمن قصير وبأقل التكاليف. بل هناك أمم كانت أضعف منا في الستينيات والسبعينيات، لكنها حققت ما يشبه المعجزة التنموية والتقنية في زمن قصير، حيث وضعت أجندة واضحة لها أو خريطة طريق، وأوكلت استراتيجية التعليم إلى من يفهمون حقيقة التعليم، وعقدت العزم على النهوض به على نحو سليم، ولم تحول الفشل إلى قصة نجاح، ولم توظف الإعلام لصناعة الوهم في هذا الخصوص، بل كانت تدق عند كل انحراف جرس إنذار للمجتمع، فيعقد العزم مجدداً على النهوض بالتعليم مستعيناً بأحسن الكفاءات من المختصين وأصحاب الخبرة العاملين في حقل التعليم. وشواهد النهوض من خلال رافعة التعليم كثيرة، ومن نماذجها: اليابان، وسنغافورة، وماليزيا، وفنلندا، وكوريا الجنوبية، والبرازيل.. إلخ. فهذه الدول تحول الإنسان فيها بفضل السياسة التعليمية إلى عنصر فعال وقادر على العطاء وصناعة المستقبل، حيث امتلك الروح الدافعة للإبداع والابتكار والإنجاز، والقادرة على تحقيق إضافة في مجاله، وعلى تحويل تراب وطنه إلى ثروة تفوق قيمتها ثروة الذهب والبترول، إذ صنعت لنفسها نموذجاً تربوياً يحقق معادلة النهوض والتقدم.