يغادرنا هذه الأيام أمين عام مجلس التعاون الخليجي عبدالرحمن العطية، وذلك بعد تسعة أعوام قضاها في هذا المنصب الرفيع بذل خلالها جهوداً كبيرة تستدعي منا نحن أبناء دول المجلس تقديم الشكر والامتنان ومن حكومات الدول الأعضاء التقدير والذي تم التعبير عنه من خلال منحه الأوسمة التي يستحقها. لقد أتاحت لنا الظروف المساهمة في أعمال المجلس منذ انطلاقته في الثمانينيات من خلال تمثيل دولة الإمارات في اللجان الفنية الخاصة بالتعرفة الجمركية الموحدة والتعاون الصناعي، وفي السنوات الأخيرة من خلال الدعوات السنوية التي وجهها العطية لتقييم مسيرة عمل المجلس بعد انتهاء القمم السنوية، مما أتاح لنا إمكانية ملاحظة التقدم الذي أحدثه الأمين العام في آلية عمل المجلس ومتابعة تنفيذ قراراته. ومن بين أمور أخرى كثيرة، يمكن القول إن العقد الأخير من عمر المجلس تميز بإنجازات مهمة تفوق بكثير تلك التي تحققت في العقديين الأولين؛ فإذا كانت الفترة من 1981 إلى2001 قد شهدت الاتفاق على إقامة منطقة للتجارة الحرة في عام 1983 وإقرار الاتفاقية الاقتصادية الموحدة، واستراتيجية التنمية الصناعية... فإن الفترة بين عامي 2001 و2011 شهدت تحولات كبيرة نقلت التعاون الاقتصادي الخليجي إلى مراحل متطورة. وفي مقدمة تلك الإنجازات يأتي الاتفاق على العمل بالاتحاد الجمركي الخليجي اعتباراً من عام 2003، وإقرار اتفاقية السوق الخليجية المشتركة في بداية 2008، والانتهاء تقريباً في العام الماضي من الربط الكهربائي بين دول المجلس، والاتفاق على إقامة شبكة للسكك الحديدية، وحرية التداول في أسواق الأسهم المحلية والعقارات... وذلك إلى جانب تقريب السياسات الاقتصادية بين دول المجلس. وبالتأكيد، فقد كانت هناك تحضيرات كثيرة سبقت إقرار هذه الاتفاقيات، إلا أن إضافة العطية المهمة، والتي أدت إلى الإسراع بإقرار هذه الاتفاقيات، تكمن في اهتمامه الكبير بضرورة إيجاد آلية لتنفيذ هذه الاتفاقيات والقرارات، وهذا جانب مهم كان يربك عمل المجلس ويساهم في تأخير عملية التنفيذ. وفي هذا الصدد قام العطية في بداية استلام مهامه كأمين عام، بجرد الاتفاقيات والقرارات المعلقة ليجدها كثيرة، كما قام بترتيب البلدان وفق التزامها بهذه القرارات، وبدأ المتابعة مع الدول الأعضاء للنظر في الأسباب التي أدت إلى تأخير أو تباطؤ عملية التنفيذ وإزالة العقبات التي تحول دون ذلك. لقد وجد الأمين العام دعماً وتفهماً كبيرين من كافة قادة دول المجلس منذ البداية، حيث أبدى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه في لقائه مع العطية استعداد دولة الإمارات للمساهمة في تسهيل مهمته. وبالإضافة إلى ذلك، أولى الأمين العام أهمية كبيرة لتنمية الموارد البشرية الخليجية في الأمانة العامة والمؤسسات التابعة لها ورفع مستوياتهم المهنية وعامل الجميع بروح المساواة، وقدّر الكفاءات المؤهلة والجادة من أبناء دول المجلس ومنحهم فرص النجاح والترقي. ربما تكون الأمانة العامة قد خسرت الجهود المباشرة للعطية، إلا أن دولة قطر كسبت شخصية قيادية من الطراز الأول، حيث يمكن القول إن تجربة العطية في الأمانة العامة للمجلس تشكل تجربة رائدة ستؤدي في نهاية المطاف إلى إيجاد تكتل اقتصادي خليجي قوي، حيث أصبح من الضروري وجود اهتمام بهذه التجربة وتطويرها والبناء عليها من قبل الأمانة العامة الجديدة لاستكمال البناء الخليجي، والذي أصبح يشكل أهمية بالغة لكافة دول المجلس، كما تشير إلى ذلك الأحداث الأخيرة في المنطقة.