أحيت أول أمس الثلاثاء، العديد من حكومات الدول، والهيئات الصحية، والمنظمات الخيرية، بما فيها الهيئات الحكومية والمنظمات العاملة داخل دولة الإمارات، ذكرى يوم الماء العالمي (World Day for Water)، والذي يحل كل عام في الثاني والعشرين من شهر مارس. وتأتي احتفالات هذه السنة، في وسط جو من التفاؤل بأن شعوب ومجتمعات العالم ستنجح في تخطي هدف التنمية للألفية، والرامي لخفض عدد من لا تتوفر لهم مياه شرب نظيفة بمقدار النصف بحلول عام 2015 ، حيث تم بالفعل رفع من تتوفر لهم مياه صالحة للاستخدام الآدمي من 77 في المئة عام 1990 ، إلى 87 بالمئة عام 2008. لكن هذا النجاح تشوبه حقيقة أن الـ13 في المئة الباقية من أفراد الجنس البشري (أو 884 مليوناً) لا يزالون حتى الآن يعتمدون على مصادر مياه غير معالجة أو مهيأة للاستخدام البشري، مثل مياه البحيرات، والأنهار، والسدود، والينابيع، والآبار غير المحمية، لأغراض الشرب، وطهي الطعام، والاستحمام، أو غيرها من الاحتياجات المنزلية الشخصية. ويتجسد هذا الوضع في أشد صورة في المنطقة الأفريقية -حسب توزيع منظمة الصحة العالمية لمناطق العالم- والتي ارتفعت نسبة من أصبحت مياه الشرب الصالحة متوفرة لهم من 50 بالمئة عام 1990 إلى 61 بالمئة عام 2008، إلا أنه رغم هذا الإنجاز الهائل لا زالت نسبة من تتوفر لهم مياه صالحة للاستخدام الآدمي دون الـ68 في المئة، الضرورية لبلوغ أهداف الألفية للتنمية. ولا تقتصر الهوة فيما هو متوفر من مياه صالحة للشرب على دول العالم الغنية والفقيرة فقط، بل تظهر بشكل جلي أيضاً بين المناطق الريفية والمناطق الحضرية، لدرجة وأن 84 في المئة (746 مليوناً)، ممن لا تتوفر لهم مياه صالحة للاستخدام الآدمي، هم من سكان الريف. ومرة أخرى نجد أن المنطقة الأفريقية تتمتع بأكبر قدر من هذا التناقض، حيث تبلغ نسبة السكان الذين تتوفر لهم المياه الصالحة للاستخدام الآدمي في المناطق الحضرية 84 في المئة، في الوقت الذي لا تزيد هذه النسبة عن 48 في المئة بين سكان المناطق الريفية. وهو ما يعني إجمالاً، أن معدل الزيادة السنوية في من أصبحوا يحظون بتوفر مياه صالحة عاماً بعد عام في الدول الفقيرة، لا بد وأن تتضاعف، إذا كان لأهداف التنمية أن تتحقق، مع ضرورة تركيز الجهود على سد الهوة بين المناطق الحضرية والريفية. وتأتي أهمية هذه الجهود من حقيقة كون توفير مياه صالحة للاستخدام الآدمي، يعتبر عن حق خط الدفاع الأول في مكافحة الأمراض المنقولة بالماء، وهي الأمراض التي تنتقل إلى جسم الشخص بشكل مباشر عند استهلاكه لمياه ملوثة، مثل أمراض الكوليرا والدوسنتاريا، أو التهاب الكبد الفيروسي (أ) وشلل الأطفال، أو الأميبيا والديدان مثل البلهارسيا والإسكارس، وغيرهما كثير. هذا التنوع الهائل، والتعدد الكبير لأنواع طائفة الأمراض المنقولة عن طريق الماء، يجعل توافر المياه النظيفة الصالحة للشرب، أحد أهم أعمدة النظم الصحية المحلية، والدولية، على صعيد تجنب الأمراض المعدية والوقاية منها. وهذا يتضح من حقيقة أن عشرة في المئة من إجمالي العبء المرضي الذي يرزح تحته أفراد الجنس البشري، من الممكن تجنبه ورفعه عن كاهلهم، من خلال الإجراءات والتدابير التي تعنى بإدارة مصادر المياه، وتوفير المياه الآمنة الصالحة للشرب. فتحقيق هذه الأهداف سيؤدي مثلاً إلى منع وفاة 1.4 مليون طفل سنوياً بسبب أمراض الإسهال، ومنع 500 ألف وفاة أخرى بسبب الملاريا. وإن كان منع هذه الوفيات، وتخفيف العبء المرضي الناتج عنها، لن يمكن تحقيقه من خلال توفير مياه صالحة للاستخدام الآدمي فقط، دون توفر نظم صرف صحي جيدة وفعالة، وهو الهدف الذي لا زال بعيد المنال إلى حد ما. فرغم أن نسبة من أصبح تتوفر لهم نظم صرف صحية فعالة قد زاد بنسبة 8 في المئة خلال الفترة الممتدة من عام 1990 إلى عام 2008 ، إلا أن نسبة من يتمتعون بمثل هذه النظم من مجمل أفراد الجنس البشري لا زال 62 في المئة فقط، وهو ما يعني أن 38 بالمئة من البشر لا تتوفر لهم حالياً سبل جيدة للتخلص من الفضلات البشرية. وحتى بين من تتوفر لهم نظم صرف صحي، نجد أن نصفهم فقط يعيشون في منازل وبيوت موصلة بشكل مباشر بشبكة صرف صحي عامة، وهو ما يعني أن 2.5 مليار إنسان -وفي بداية القرن العشرين- لا تتوفر لهم وسيلة لقضاء حاجاتهم إلا في المراحيض العامة، والتي غالباً ما تفتقد أساسيات النظافة، أو في حفر عميقة مكشوفة، لا تتوفر المصادر المالية الكافية لتغطيتها. ومن بين هؤلاء، يوجد 1.2 مليار إنسان، لا تتوفر لهم حتى هذه الإمكانات البسيطة، ولذا يقضون حاجاتهم في العراء، بشكل مكشوف. وغني عن الذكر هنا، أن هذا الوضع، وفي ظل هذا العدد الهائل من البشر دون نظم صرف صحي، أو حتى مراحيض بدائية، يعتبر مرتعاً للجراثيم، وسبيلاً سهلاً لانتقال الأمراض بين شخص وآخر، وخصوصاً بين الأطفال. ولذا ليس من المستغرب أو المستهجن حالياً، مطالبة البعض بإدراج توفر مراحيض، وبقية مكونات نظم الصرف الصحي، ضمن حقوق الإنسان الأساسية، التي تتضمنها اتفاقيات ومعاهدات الدول والمنظمات الدولية.