إذا كان من "ثورة" يمكن توقعها على الصعيد الفلسطيني فلا يمكن أن تكون من جانب "فتح" أو "حماس"، الواحدة ضد الأخرى وبالعكس، بل أن تتصالحا وبذلك تسقطان نظام الانقسام الذي لم يعد يلائم سوى إسرائيل، سلطة الاحتلال وعدوهما المشترك. تحركت رام الله وغزة أخيراً، بعدما تحرك شارعاهما مطالباً بإنهاء الانقسام. عبّاس أبدى استعداداً للذهاب إلى غزة للإعلان من هناك عن حكومة مشتركة، وليس للدخول في حوار عقيم آخر. "حماس" رحبت، لكن بين الترحيب وتحقيق الهدف المنشود، أي المصالحة، لا تزال هناك تفاصيل لم تتبلور. واقع الأمر أن حسابات الطرفين، سعياً لإنهاء الانقسام، ليست متطابقة بعد، فمن جانب "فتح" أو بالأحرى السلطة الفلسطينية، تراكمت الإحباطات في السنوات الماضية، حتى وصلت إلى أفق مسدود تماماً، لكن بقيت نافذة واحدة مفتوحة، هي تلك التي رسمها "استحقاق" سبتمبر المقبل المتمثل بإعلان اكتمال وانتهاء الخطوات الإدارية والسياسية لإنشاء الدولة الفلسطينية. وتواصل السلطة مساعيها الدولية للحصول على الاعتراف بهذه الدولة، وهي تحقق نجاحات، إلا أنها تتطلع إلى اختراق أوروبي قد يأتي من طريق إسبانيا، أو ربما من مجموعة دول، خصوصاً أن وزير الخارجية الفرنسي لم يستبعد هذا الاعتراف. غير أن السائد عموماً أن الدول الأوروبية ستنتظر لترى ما هو التوجه الأميركي. أما الإحباطات فيأتي في طليعتها أن عباس راهن شخصياً على نهج المفاوضات ولا شيء غير المفاوضات، الذي أمعنت إسرائيل في تدميره. كما راهن على المفاهيم الجديدة التي لاحت في السياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية مع أوباما، ثم وجد أن إسرائيل تمكنت من ليِّ ذراع الرئيس الأميركي وجعله ينقلب على سياسته "المعلنة" بالتصويت ضد قرار مجلس الأمن الذي يطالب بوقف الاستيطان. وكان "أبومازن" يراهن بطبيعة الحال على دعم مبارك الذي تنحى أخيراً، ورغم أنه تلقى كل التطمينات اللازمة من رئيس المجلس العسكري الحاكم إلا أن مصر لن تعود قريباً إلى ممارسة دور وازن في السياسة الخارجية. ولا شك أن عباس راهن دائماً على إمكان رأب الصدع الفلسطيني إلا أن المحاولات كافة انتهت من دون نتيجة تذكر تحديداً بسبب الاستقطابات العربية الإقليمية. أما "حماس" فتستند إلى تحليل خاص يزيّن لها أن التغييرات الآخذة في التطور عربياً إنما تصب في مصلحتها. إذ أن الانشغال الدولي، خصوصاً الأميركي، بهذه الانتفاضات والاحتجاجات انعكس إهمالاً للسلطة الفلسطينية وتقليصاً للاعتماد عليها. وتعتبر "حماس" أن "فتح" والسلطة تأتيان إليها الآن، من موقع ضعيف، سعياً إلى إنهاء "الانقسام"، لكن خصوصاً سعياً ألى تدعيم موقف السلطة، أقله على المستوى الفلسطيني البحت. ويبدو أن "حماس" تلقت أيضاً تطمينات مصرية تعتبرها أكثر أهمية باعتبار أن بوابة رفح ستصبح مفتوحة بشكل دائم. أكثر من ذلك تراهن "حماس" على احتمال انفتاح إسرائيل عليها، خصوصاً في حال بلوغ التطورات في الضفة الغربية حدّ حلّ السلطة، ما يعني قانونياً عودة المناطق الفلسطينية إلى مسؤولية الاحتلال. قد تكون السلطة و"فتح" محبطتين أكثر من اللازم، وقد تكون "حماس" آملة أو واهمة أكثر من اللازم، لكن الأكيد أن الطرفين يتنازعان في لعبة لم تعد لمصلحة أي منهما. ففي أحسن الأحوال يمكن أن تنفتح إسرائيل على "حماس" إذا قبلت هذه الحركة القيام بدور سلطة فلسطينية بديلة وبالشروط نفسها، بل على قاعدة أن يبقى الانقسام. وقد تعتبر "حماس" أن تجربتها في إدارة قطاع غزة تحت الحصار أكسبتها الخبرة اللازمة لإدارة شؤون الشعب الفلسطيني، لكن هذا يعكس مفهوماً للسلطة ستفاجأ "حماس" بصعوبة تطبيقه على عموم الشعب وسرعان ما ستغدو "النظام" الذي يريد الشعب إسقاطه، وإذا أرادت قمعه فلابد أن تستعين... بإسرائيل.