يرحل شتاء العرب الثوري الذي أسقط نظامين عربيين بشكل سلمي وبثمن مقبول، ليفسح المجال أمام ربيع العرب الذي بدأ مضرجاً بدماء الأبرياء والشهداء في أكثر من مكان. في عصر الصحوة والثورات العربية دخلت في النظام العربي الجديد معطيات جديدة لم يكن لها دور أو تأثير قبل عصر الثورات العربية. وأصبحت هذه الظواهر من الثوابت التي تثير الكثير من القلق: وهي يوم الجمعة ووسائل التواصل الاجتماعي "الفيس بوك والتوتير" والفضائيات الإخبارية. يوم الجمعة الماضي كان دموياً غير مسبوق، وآلامه من ليبيا إلى اليمن، ومن سوريا إلى السودان، وإذا أردنا أن نتوسع خارج عالمنا العربي نضيف باكستان. فقد سقط في الجمعة الأحمر مئات القتلى والجرحى في ليبيا لنظام يسفك دم شعبه، وفي اليمن في مجزرة يوم الجمعة سقط 50 قتيلاً. أما في سوريا التي اندلعت فيها شرارة انتفاضة شعبية تثبت صعوبة الحصانة أمام "تسونامي" الثورات المتدحرجة فقد سقط 4 قتلى. أما في باكستان، فقد سقط 40 قتيلاً. وكل ذلك دم عربي ومسلم مسفوك. وفي الوقت الذي يشغل العالم من أقصاه إلى أقصاه بزلزال اليابان المدمر والتسونامي المميت والتسرب النووي من المنشأة النووية في فوكوشيما، ومع ارتفاع عدد الضحايا والمفقودين ليتجاوز الآلاف، ننشغل في هذا الوقت بالمشهد العربي الدامي والمؤلم، الذي نتابعه متسمرين ومتنقلين من ثورة إلى ثورة ومن مجزرة إلى أخرى. حيث تحولت الثورات التي تؤكد جميعها على السلمية إلى مواجهات واعتداءات وصراع إرادات وخاصة في ليبيا واليمن. وفي الوقت الذي نتداعى في دول مجلس التعاون الخليجي لدعم البحرين التي أعلنت حالة الطوارئ بعد أن خرجت المطالب هناك عن مسارها، وتحولت إلى انقلاب فئوي طائفي وبدعم ومؤازرة من الخارج. وهو ما لا يرضى به أحد لأن المطالب الشعبية شيء والانقلاب على النظام خط أحمر. استدعى ذلك تفعيل اتفاقية الدفاع للمجلس في تكافل للدول الأعضاء، لأن الاعتداء على أي دولة عضو هو اعتداء على الدول الأعضاء جميعاً. ولذلك أتى تدخل قوات درع الجزيرة للحفاظ على الأمن والاستقرار، ومنع أن تتحول دولنا في المجلس إلى مسرح لتدخلات وحسابات الآخرين. بدأ مشهد الثورات، والانتفاضات العربية بالتحول للون الأحمر بعد أن نجحت الثورتان المصرية والتونسية دون الغرق في أتون حرب مسلحة بسبب عدم إقحام المؤسسة العسكرية في المواجهات وبقائها على الحياد. أما عن ثورتي ليبيا واليمن فالصورة مغايرة كلياً بسبب تحول الثورة الليبية إلى حرب شاملة تُدك فيها المدن ويسقط فيها المواطنون العزل والثوار على أيدي مؤسسة عسكرية منقسمة ومرتزقة. أما في اليمن فبدأت الثورة تتفجر على وقع مجازر وحسابات خاطئة وتشظٍ للحزب الحاكم واستقالات لوزراء ونواب من الحزب الحاكم وتذمر. التغييرات الجذرية وغير المسبوقة التي أحدثتها الثورات العربية قبل أن تسقط في مستنقع الحرب الدموية في ليبيا واليمن أعطت العرب سمعة جيدة بقدرتهم على الثورة، وتغيير الاستثناء العربي في عالم الحريات والديمقراطية، بأن العرب قادرون على التغيير وبشكل سلمي. وأن التغيير الذي أطلقت عليه النسخة العربية للصدمة والتغيير والترويع، والتي نجحت فيما فشلت نسخة الصدمة والترويع بتغيير الأنظمة بالدبابات والتدخل الخارجي. اليوم نقف على مفترق طرق في ربيع ثوراتنا العربية التي ترسم واقعاً ونظاماً عربياً جديداً يحدد واقعنا ومستقبل الأجيال العربية. ويؤكد أن العرب ليسوا مختلفين عن شعوب العالم في طموحهم للحريات والكرامة والعيش الكريم. مثال التغيير الدموي الذي يرفض الرحيل والتغيير باللجوء للقوة والقمع والدم يجب أن لا يكون النموذج العربي الذي ينتصر. لذلك يبقى نموذج التغيير السلمي لثورتي مصر وتونس، هو النموذج العربي الناجح والمطلوب للإصلاح والتغيير.