التزام دولي لإنهاء المحنة الليبية... وآثار مستدامة لتداعيات الكارثة اليابانية الاستياء العام من تصاعد شعبية مارين لوبن زعيمة "اليمين المتطرف" في فرنسا، ودور ساركوزي في الدفع بالالتزام الدولي تجاه ليبيا، وتداعيات كارثة "فوكوشيما" اليابانية، ثلاثة موضوعات استقطبت اهتمام كُتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية. ضد "مارين لوبن" على خلفية تصاعد شعبية زعيمة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف "مارين لوبن" نشرت صحيفة لوموند مقالاً لرئيسي منظمتين حقوقيتين تنشطان ضد العنصرية واللاسامية في فرنسا، هاجما فيه خطاب السيدة لوبن، مؤكدين أن هدفها المعلن هو الوصول إلى السلطة بأية طريقة، وفي سبيل ذلك تبدي استعداداً غير محدود لإرضاء تطلعات أشد زبائنها الانتخابيين المحتملين تطرفاً وانعزالية، وهي هنا تجد نفسها أمام خيار صعب بين التخفيف من نبرتها اليمينية المفرطة لاستمالة ومغازلة الشرائح الأوسع من الجمهور الفرنسي العام وبين الاحتفاظ برضا أعضاء القرص الصلب من جمهور "الجبهة الوطنية" الذين لطالما استهوتهم الشطحات اليمينية التي اعتاد والدها وقائدها الروحي "جان ماري لوبن" إتحاف المشهد السياسي والإعلامي بها، من حين لآخر. وهذا القرص الصلب للحزب هو عمليّاً من تعمل لإرضاء غروره لجنته المركزية التي ما زال "لوبن" الأب يتولى رئاستها الشرفية. ولاشك أن مارين تعرف جيداً أن قدرتها الحزبية على الاستقطاب والاستثمار السياسي الانتهازي تتوقف أساساً على النفخ في مخاوف قطاعات واسعة من الفرنسيين تجاه الآخر ممثلاً في المختلف الديني والثقافي، وكذا اللعب على حبال هواجس مجتمع بلغت به الأزمة الذاتية حدّاً جعله يبحث عن أي كبش فداء، وبأية طريقة. وهنا، يقول الكاتبان، حل التوجس من المسلم في خطاب اليمين الفرنسي المتطرف، محل التوجس من اليهودي الذي كان سائداً في فرنسا حتى عهد قريب، وأصبح خطر العربي والمهاجر، بصفة عامة، هو صلب ومتن كل دعايات ودعاوى الجبهة الوطنية. وهنا ينبغي الاعتراف بأن ذات الجهات السياسية التي تغذي الآن كراهية الإسلام والعنصرية ضد العرب هي ذاتها الجهات التي تخبطت بشكل فظيع في الممارسات اللاسامية خلال ثلاثينيات القرن الماضي. وفي هذا السياق أصبح الأجنبي، كائناً ما كان شكله، هو السبب الأول والأخير في جميع مشكلات ومحن المجتمع الفرنسي! والحقيقة أن حزب لوبن لم يمارس حتى الآن أي نقد ذاتي لديباجاته السياسية العنصرية، كما لم يعبر بأي شكل عن التراجع عن ماضيه الممتد من الممارسات اللاسامية. ولهذا، يقول الكاتبان، فإننا باسم القيم الكونية المشتركة التي ندافع عنها، نود التعبير عن بالغ القلق من تفاقم الموجة الشعبوية الراهنة ليس في فرنسا فقط بل في عموم القارة الأوروبية. وهي ذات الموجة التي تركبها الآن مارين لوبن، والتي يبدي عدد متنامٍ من الفرنسيين، للأسف، قابلية مقلقة للاستماع إلى رطانتها السياسية الرديئة. ليبيا: لحظة ساركوزي تحت هذا العنوان كتب بيير روسلين افتتاحية لصحيفة لوفيغارو قال في بدايتها إن الأزمة الليبية أتاحت للرئيس الفرنسي فرصة لإظهار قدرته على الإمساك بزمام المبادرة على الساحة الدولية، في واحد من أكثر الأوقات صعوبة وتعقيداً. وكان ساركوزي أظهر أيضاً قبل هذا إرادة قوية في إدارة الأزمات من خلال تحركه السياسي الدولي الفعال أثناء الحرب في جورجيا، وأيضاً خلال أكثر الأطوار الدولية صخباً من تداعيات الأزمة المالية العالمية. وفي مواجهة الأزمة الليبية تمكن ساركوزي في النهاية من الدفع بالعالم إلى الاستجابة للتحدي الذي يطرحه القذافي على المجتمع الدولي. وهنا بالذات كانت عليه مجابهة جمود موقف أنجيلا ميركل، من خلال استقطاب دعم ديفيد كاميرون، وهو ما سمح له بتعويض فتور رغبة أوباما بداية في التدخل. ولاشك أن ذهاب وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه إلى نيويورك لحضور اجتماع مجلس الأمن بهذا الشأن قد أعاد إلى الأذهان موقفاً فرنسيّاً آخر هو ذهاب دوفليبان سنة 2003 إلى هناك لمعارضة الحرب الأميركية على العراق. ولكن هذه المرة حضر رئيس الدبلوماسية الفرنسية لدعم الموقف الأميركي، بل لتحفيزه ودفعه إلى تجاوز التردد الواضح، من أجل العمل سويّاً على تشجيع ودعم القيم المشتركة بين البلدين، في العالم العربي. والحال أن قمة السبت (أمس) في باريس قدمت من الأدلة ما يكفي على أن فرنسا لا تستطيع أن تقبل أن يفرض عليها الأمر الواقع، بل يلزمها أن تكون قوة دافعة وداعمة للربيع الديمقراطي العربي. وعلى ذكر الربيع العربي كانت ذات الصحيفة قد نشرت افتتاحية أخرى تحت عنوان "إنقاذ الربيع العربي" قالت فيها إن بنغازي تحولت الآن إلى ما يشبه المدينة الرمز التي يتقرر على مداخلها مصير العالم العربي كله. ولاشك أن فرنسا قد لعبت دوراً حاسماً في إقناع العواصم الغربية المؤثرة بتجاوز ترددها وجعلتها تتبنى مقاربة إنقاذ واضحة للمدنيين الليبيين في بنغازي وغيرها. وفي حال عدم التدخل، وبالتالي فشل الثورة الليبية، فستكون تلك إشارة مناسبة للتراجع عن الجهود الإصلاحية في جميع بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأخرى. وأخيراً اعتبرت لوفيغارو أن القرار الدولي الأخير بشأن التدخل في ليبيا جاء بناء على مبدأ "حق الحماية" الذي أقرته الأمم المتحدة سنة 2005، مدفوعة إلى ذلك بما استخلصته من دروس المحنتين الرواندية والبوسنية. وزيادة على هذا فإن نظام القذافي لو بقي في الحكم فستكون في ذلك إهانة بالغة لكافة الزعماء الغربيين الذين طالبوه صراحة بالرحيل. الكارثة اليابانية اعتبرت افتتاحية لصحيفة لوفيغارو أن كارثة مزدوجة من نوع تلك التي ألمت باليابان هذا الأسبوع من الطبيعي أن تتجاوز تداعياتها البلد المنكوب لتلقي بتبعاتها وظلالها على العالم أجمع. فقد كانت في الواقع ثلاث كوارث في كارثة، فبعد زلزال بدرجة قوة غير مسبوقة، تزامن المد البحري "تسونامي" الجارف، مع نشوب أزمة نووية بالغة الخطورة. ولذا يمكن القول الآن دون تردد إن ثالث اقتصاد عالمي سيبقى لفترة ممتدة متأثراً سلباً بتداعيات هذا الزلزال. ولأن اقتصاد اليابان لم يكن أصلاً على ما يرام، حيث يصل حجم الدَّين إلى ضعف الدخل الوطني الخام للبلاد، فإن هامش تحركها لإعادة إعمار ما دمرته الكارثة يبقى محدوداً للغاية. وللمقارنة فإن التأثير السلبي لزلزال "كوبي" سنة 1995 لم يستمر لوقت طويل، ولكن الوضع الاقتصادي الآن مختلف تماماً، حيث انقلب التوازن الطاقي رأساً على عقب، بعد توقف محطات الطاقة النووية، تزامناً مع الثورات العربية التي أثرت هي الأخرى على أسعار الطاقة، وهو ما يجعل تزامن هاتين الأزمتين مثيراً للقلق. وللتاريخ فإن كارثة تشيرنوبل 1986 كانت أحد أهم الأسباب التي دفعت جورباتشوف إلى تبني سياسة الانفتاح، ما أدى استطراداً إلى انهيار الاتحاد السوفييتي السابق. ولكن على رغم ذلك يصعب الحكم من الآن على حجم تداعيات الكارثة اليابانية. وإمساكاً بهذا الخيط نفسه، في سياق متصل، نشرت صحيفة ليبراسيون افتتاحية أخرى تحت عنوان "نهاية التاريخ ونهاية العالم" أعاد كاتبها التذكير بمقولة فوكوياما الشهيرة مطلع تسعينيات القرن الماضي حين اعتبر انتصار الرأسمالية نهاية للتاريخ الإنساني. ومثلما أدت كارثة تشيرنوبل إلى سقوط النظام الشيوعي، فهل تؤدي كارثة فوكوشيما إلى سقوط النظام الرأسمالي الذي انتصر عليه؟ إن كارثة فوكوشيما تدين بكل وضوح الرأسمالية القائمة على الاستهلاكية المفرطة والتقنية المفرطة أيضاً، تقول الصحيفة. إعداد: حسن ولد المختار