اليوم يبدأ أوباما رحلته الأولى التي طال انتظارها نحو أميركا الجنوبية، وفي هذه الجولة يتعين عليه اصطحاب خطاب "حالة الاتحاد"، الأخير الذي تحدث فيه عن التعليم والعلوم والابتكار وتحوليه إلى قضية محورية تنخرط فيها الأميركيتان. فبقدر ما تحتاج أميركا إلى تطوير مناهجها التعليمية داخلياً تحتاج دول أميركا اللاتينية إلى التركيز أيضاً على الهدف ذاته، بمساعدة من واشنطن، لكن المشكلة بالنسبة لأوباما أنه في الوقت الذي حمل فيه كل رئيس من رؤساء أميركا السابقين مبادرة كبيرة للمنطقة، ظل هو من دون مشروع مهم في علاقته بجيراننا في الجنوب، فقد سبق لبوش الأب أن اقترح "مشروع الأميركتين"، وأطلق بعده كلينتون اتفاقية التجارة الحرة لشمال أميركا، وأعقبه بوش الابن بمحاولة لإقامة منطقة للتبادل الحر بين الأميركيتين، وبقي أوباما من دون مبادرة خاصة تجاه أميركا اللاتينية، ولم يسعَ إلى تطوير التجارة الأميركية مع إحدى المناطق الأكثر نمواً في العالم. وبالاحتكام إلى استطلاعات الرأي، فإن أوباما يتمتع بشعبية كبيرة في أميركا اللاتينية، كما أن خطابه الذي ألقاه عام 2009 في "ترينيداد" وتعهد فيه "بشراكة ندية" دون "تمييز بين شريك كبير وآخر صغير"، حظي بتصفيق حار في عموم المنطقة، ورحب به الرأي العام الذي اعتبره صفحة جديدة في العلاقات بين الجارين، لكن بعد سنتين على الخطاب لم تتحرك إدارة أوباما عملياً لتكريس خطوات بناء الثقة التي حملها خطابه، إذ لم تتجسد على أرض الواقع أي مبادرة تترجم النوايا الطيبة تجاه شعوب أميركا اللاتينية، فما الذي تستطيع إدارة أوباما تقديمه لأميركا اللاتينية في الوقت الذي يتهيأ فيه الكونجرس لخفض كبير في الموازنة العامة سواء في الداخل أو الخارج؟ الحقيقة أنه يتعين على أوباما طرح نفس ما يقدمه للأميركيين في الداخل وهو تحسين معايير التعليم حتى تكون أكثر تنافسية في الاقتصاد العالمي، وفي هذا الإطار سبق لأوباما أن وضع أصبعه على الداء في خطاب "حالة الاتحاد" في 25 يناير الماضي قائلاً: "لقد تغير العالم وأدركت دول مثل الهند والصين أنه بتطوير نظامهم التعليمي تستطيع التنافس في هذا العالم الجديد، لذا أصبحوا يدرسون أبناءهم أبكر وأطول مع تركيز خاص على الرياضيات والعلوم والاستثمار في البحث العلمي والتكنولوجيات الجديدة"، مضيفاً "نحن لا نستطيع الوقوف في مكاننا، بل علينا التفوق على الآخرين في التعليم والابتكار والبناء"، لذا جعل أوباما من التعليم القضية المركزية في أجندته الداخلية، وقد أمضى الشهر الماضي متنقلًا عبر الولايات والمدن الأميركية مقترحاً تدريب 100 ألف مدرس جديد في تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات مانحاً مكافآت مالية إلى المدارس الحكومية، التي تغير من طرائقها وقواعدها وتسمح بتقييم المدرسين على أساس الاستحقاق والنتائج المتحصل عليها، كما دعا إلى حرية أكبر في انتقال المدرسين والطلبة على الصعيد العالمي. والآن على أوباما أن يحمل الرسالة نفسها في زيارته المقبلة إلى البرازيل وتشيلي والسلفادور، كما يمكنه الإشارة إلى التحديات نفسها التي تواجهها أميركا اللاتينية والولايات المتحدة للتنافس مع آسيا، ففي الوقت الذي يقضي فيه طفل ياباني 243 يوماً في المدرسة الابتدائية، لا تتجاوز السنة الدراسة في الولايات المتحدة 180 يوماً. أما في أميركا اللاتينية، فلا يتبقى من الأيام بعد خصم الإجازات إلا 160 يوماً، وهو ما يختلف عنه الوضع في الصين التي تتضاعف فيها عدد الساعات الدراسية، وليس غريباً في ظل هذا الوضع أن يحتل الطلبة الأميركيون ذوو الخمس عشرة سنة المرتبة 17 من الاختبارات الدولية التي تشمل 65 دولة فيما احتل الطلبة في البرازيل والأرجنتين وبنما والبيرو المراتب 53 و58 و62 و63 على التوالي، هذا في الوقت الذي احتلت فيه مدينة شنجهاي الصينية المرتبة الأولى متبوعة بكوريا الجنوبية. لذا يظل التعليم من الإسهامات المهمة التي يمكن للولايات المتحدة تقديمها لأميركا اللاتينية، حيث مازالت الجامعات الأميركية الأولى على الصعيد العالمي فيما لا توجد جامعة واحدة من أميركا اللاتينية ضمن قائمة أفضل 200 جامعة في العالم، وحسب مكتب براءات الاختراع الأميركي يسجل المستثمرون الأميركيون 83 ألف براءة اختراع في السنة مقارنة باليابان التي تسجل 36 ألف براءة اختراع، والصين التي تسجل 1600 براءة، فيما البرازيل لا تتجاوز 160 براءة في السنة متبوعة بالمكسيك والأرجنتين وكولومبيا. وفي رأيي أن أوباما عليه أن يستغل زيارته المقبلة إلى بلدان أميركا اللاتينية للإعلان عن مبادرة كبرى للتعليم يستفيد منها طلبة البلدان المعنية تشمل برنامجاً لتبادل الطلبة والمدرسين وفتح أبواب الجامعات الأميركية أمام المزيد من الطلبة اللاتينيين، فضلاً عن إرسال مدرسي اللغة الإنجليزية إلى أميركا اللاتينية، كما يستطيع أوباما اقتسام خبرته مع أميركا اللاتينية لتبني بعض البرامج التي يروج لها داخلياً مثل تقييم المدارس والمدرسين على أساس الاستحقاق وليس الأقدمية، وعلى غرار ما تستشعره الولايات المتحدة من حاجة إلى تطوير التعليم باعتباره رهان المستقبل للحفاظ على التنافسية الأميركية مع القوى الصاعدة في آسيا والشركاء الأوروبيين، يتعين على واشنطن الانخراط مع جيراننا في الجنوب للنهوض بالتعليم وكسب تحديات المستقبل. أندريه أوبنهايمر محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"