التجارب الإنسانية تخبرنا بأنه كلما قلَّت وتضاءلت مستويات الاندماج، كلما برزت في المجتمع مسألة الأقليات وتداعياتها السياسية والاجتماعية والثقافية. لقد أدت الاضطرابات التي قام بها شيعة البحرين إلى تدخل قوات درع الجزيرة لإنهاء الاعتصامات، لكنها قد لا تحل المشكلة، بل ربما توسع تداعياتها إذا لم تعالج معالجة علمية محايدة. فهذه الأزمة خلقت انقساماً بين شرائح المجتمع الكويتي حيث أيد بعض النواب والكتاب احتجاجات البحرين واعتبروها تجمعات سلمية ذات مطالب معقولة، مقابل شرائح أخرى اتخذت موقفاً مؤيداً لإجراءات الحكومة البحرينية لإنهاء الفوضى وغوغاء الشارع. فكيف يمكن لنا كمجتمعات ودول خليجية معالجة المشكلة ومحاولة تخطيها؟ نتصور أن الخطوة الأولى تكمن في الاعتراف بوجود المشكلة أولاً وعدم التغطية عليها ونفي وجودها. بعد ذلك علينا إبراز الحقائق لتفهم أبعاد المشكلة، ومحاولة دراسة الأسباب والدوافع والمتغيرات الكامنة وراءها. الشيعة كأقلية في دول الخليج، شريحة مهمة في مجتمعنا، وتتفاوت أعدادهم من دولة إلى أخرى، لكنهم على العموم يشكلون شريحة أساسية من مواطني هذه الدول. وكمواطنين خليجيين، انخرط شبابهم في العمل السياسي مبكراً، في الخمسينيات والستينيات، وكانوا متأثرين بالحركات اليسارية. وكان انضمام شبابهم إلى الحركات القومية العربية جزءاً من الحراك السياسي لإنهاء الانقسامات ونبذ الطائفية. ففي البحرين مثلاً تشكلت حركة الاتحاد الوطني عام 1954، وهي حركة قومية إصلاحية، وكانت تضم الشيعة والسنة معاً. وفي الكويت كانت نسبة الشباب الشيعي مرتفعة في حركة القوميين العرب، وفي السعودية كانوا منصهرين في العمل القومي الناصري، وقد قادوا عدة مظاهرات عمالية تضامناً مع عبدالناصر والمد القومي. لكن أفول التيار القومي واليساري بعد هزيمة عام 1967 مهد الطريق لبروز تيارات الإسلام السياسي، والتي انخرط فيها الشيعة، مثل إخوتهم السنة. وقد ساعدت على ذلك تطورات إقليمية معروفة منذ نهاية السبعينيات. فمنذ ذلك الوقت تغيرت خريطة المعارضة السياسية الشيعية في الخليج. والحقيقة التي ينبغي تأكيدها، هي أن شيعة الخليج متأثرون بالتنظيمات والمراجع الدينية في العراق، فحزب الدعوة الإسلامية الذي أسسه الصدر في الخمسينيات بالنجف، تأثرت به النخبة الشيعية في الكويت والبحرين، كما تأثر شيعة الكويت على الخصوص بالمرجع الشيرازي. لكن بقي شيعة الخليج عامة يقلدون مرجعيات النجف مثل الخوئي والسيستاني، حيث يعتبر الأخير الأكثر نفوذاً عليهم؛ فأفكاره معتدلة، وهو يرفض ولاية الفقيه ولديه رؤية مؤيدة للديمقراطية. ما نريد قوله هو أن شيعة الخليج مواطنون عرب مخلصون لبلدانهم، وإن أفضل طريقة للقضاء على التطرف الغلو هي بلورة مشروع وطني يضع في الاعتبار احترام خصوصية الأقليات ويفتح المجال أمامها للتعبير عن خصوصياتها، بما يعزز الوحدة الوطنية على قاعدة العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان.