كثيراً ما يُطرح عليّ السؤال هذه الأيام حول ما إن كانت استطلاعات الرأي السابقة التي أجريناها في "مؤسسة زغبي الدولية" لاستطلاعات الرأي قد أعطتنا أي مؤشرات تفيد بقرب اندلاع الانتفاضات التي حدثت وتحدث في عدد من البلدان العربية. والجواب بالطبع: لا، لأننا فوجئنا مثلما فوجئ المحتجون أنفسهم، على ما أعتقد، بالدعم الذي تدفق عليهم والنمو السريع لحركاتهم في تونس ومصر وغيرهما. غير أنه إذا كانت استطلاعات الرأي التي أجريناها في السابق لم تتنبأ بالانتفاضات العربية، فإنها ساعدت في المقابل على المساهمة في فهمنا للمشاكل وبواعث القلق التي تميز المشهد السياسي في مختلف البلدان عبر المنطقة. وأثناء تحضيري لنقاش حول البحرين في وقت سابق من هذا الأسبوع، ألقيتُ نظرة على دراسة حول "الطبقة الوسطى" في السعودية والإمارات والبحرين كنا قد أجريناها قبل بضع سنوات لحساب "مؤسسة ماكينزي وشركائه". وقد كانت دراسة مفيدة لأن ما وجدته، وقتئذ، في تلك الدراسة المعمقة للوضع والآفاق الاقتصادية لبلدان الخليج العربي هو إشارات إلى أن كل بياناتنا المتعلقة بالبحرين خاصة تشير إلى أن مواطني هذا البلد يعانون ضيق ذات اليد. وفي المقابل، لم نجد فقط أن جيران البحرين في السعودية والإمارات أكثر غنى فحسب، بل وجدنا أيضاً أن مواطني هذين البلدين، من حيث المؤشرات الماكرو-اقتصادية، هم أكثر رضاً عن وضعهم الحالي وأكثر تفاؤلاً بشأن المستقبل. وجواباً على سؤال "هل تعتقد أن حالك أفضل من حال والديك عندما كانا في سنك؟"، يقول ما بين ثلثي وثلاثة أرباع السعوديين والإماراتيين "نعم". وفي المقابل، فإن ثلث البحرينيين فقط يوافقون على أن حالهم أفضل من حال جيل آبائهم. وعندما سئلوا حول ما إن كان حال أطفالهم سيكون أفضل في المستقبل، وافق أكثر من نصف السعوديين والإماراتيين على أنه سيكون أفضل، في حين أن 17 في المئة فقط من البحرينيين أعربوا عن تفاؤلهم بشأن مستقبل أبنائهم. وعلاوة على ذلك، تشير الأرقام والبيانات إلى أن حجم البطالة في البحرين هو أكثر من ضعف ما هو موجود في البلدين الجارين؛ ولكن هذا ليس سوى جزء من القصة، وذلك على اعتبار أن معظم الإماراتيين والسعوديين العاطلين عن العمل يشيرون إلى توفرهم على مداخيل (بعضها مهم بفضل الدعم العائلي؛ بينما يتحدث آخرون عن دخل يأتي من تأجير الأملاك أو استثمارات.. إلخ)؛ كما أن معظم الذين يقولون عن أنفسهم إنهم "عاطلون عن العمل" في هذين البلدين هم من عائلات يعمل فردان منها أو أكثر خارج البيت. هذا في حين أن معظم العاطلين عن العمل في البحرين ليست لديهم مدخرات ومعظمهم من عائلات يوجد منها شخص واحد فقط أو لا أحد لديه عمل خارج البيت يجني منه دخلاً. والواقع أن المرء ليس في حاجة إلى كبير جهد ليخلص إلى أن هذه الضغوط الاقتصادية في البحرين ستكون لها عواقب في نهاية المطاف؛ كيف لا والبحرينيون يفيدون بأنهم أقل رضاً عن وظائفهم وعن الرواتب التي يتقاضونها، ويعطون تقييماً أقل للخدمات الحكومية التي يتلقونها مقارنة مع جيرانهم في الإمارات والسعودية. ولئن كانت هذه الضغوط الاقتصادية الواضحة في البحرين ليست سوى عامل واحد من بين عوامل أخرى يمكن أن يشير إليها المرء في محاولة لفهم حالة الاضطراب التي تشهدها البلاد، فإنها تمثل مع ذلك عاملًا أساسيّاً ومهماً. إن الإصلاح السياسي، والتخوفات المرتبطة بالتجاذب الطائفي، ومساءلة الأجهزة الخدمية الحكومية مواضيع صعدت إلى الواجهة في البحرين اليوم وتُعد عناصر محورية في أجندة حوار وطني تبدو البلاد في حاجة إليه. غير أنه بموازاة مع تقدم هذا الحوار السياسي الأوسع (ولا يسع المرء إلا أن يأمل في أن يتقدم)، يجب ألا يتم تجاهل الاحتياجات الاقتصادية لشعب البحرين. صحيح أن الاستجابة لبواعث القلق الاقتصادية لن تكون بديلاً عن الإصلاح السياسي، غير أن عدم معالجة هذه المسائل الاقتصادية لن يزيد التقدم على الجبهة السياسية إلا صعوبة. والواقع أن لدى جيران البحرين دوراً محوريّاً ليلعبوه في هذه المنطقة. وقد التزم أعضاء مجلس التعاون الخليجي في وقت سابق من هذا العام بمساعدة مالية طويلة المدى للبحرين. واليوم، قاموا بإرسال قوات إلى البلاد تكريساً لالتزامهم تجاه سلامة واستقرار الجارة البحرين العضو في المجلس. غير أنه لابد من فعل المزيد، لأن البحرين في حاجة إلى المساعدة. ومثلما أدركت بلدان مجلس التعاون الخليجي الأخرى أن المواجهة طويلة المدى التي أغلقت جزءاً حيويّاً من البلاد لم تكن مفيدة ولم يكن ممكناً أن تستمر، فإنه يتعين عليها أيضاً أن تدرك أنه لابد من مقاربات سياسية تحل مشاكل البلاد أيضاً، أو حتى تساهم في حل ما، وذلك لأن حواراً صادقاً ومفتوحاً ومبنيّاً على حسن النوايا حول كل المشاكل الأساسية هو الطريق الوحيد إلى الأمام. وبموازاة مع ذلك، يستطيع مجلس التعاون الخليجي تصميم حزمة اقتصادية أكثر شمولية للبحرين -كمحفز لدفع عملية الإصلاح إلى الأمام، وكمؤشر على تضامن مجلس التعاون الخليجي مع حكومة وشعب مملكة البحرين، وكطريقة لإظهار أن المشاكل يمكن أن تُحل من قبل العرب.