في الوقت الذي تقوم فيه الدول الغربية بتضبيط استراتيجية خروجها من أفغانستان، يزداد الموقف في ذلك البلد تدهوراً على الدوام. فقبل الانسحاب المتوقع للقوات التابعة لحلف شمال الأطلسي، وما يستلزمه من تسليم المسؤولية الأمنية لحكومته، تتعرض تلك القوات إلى انتقادات عنيفة، لمسؤوليتها عن سلسلة من عمليات القتل التي طالت المدنيين الأفغان. ففي بداية هذا الشهر لقي تسعة صبية أفغان تتراوح أعمارهم ما بين 8 -14 عاماً مصرعهم بسبب هجوم نفذته مروحيات تابعة للحلف على منطقة نائية في ولاية كونار، كان يعتقد أنها تأوي مقاتلين تابعين لحركة "طالبان". وذلك الحادث الذي أدى إلى قتل هذا العدد من الصبية الذين كانوا يجمعون الحطب، والذين يرتبطون مع بعضهم بعضا بصلة القرابة، سبب صدمة كبيرة في أفغانستان، وقلل من درجة القبول بتواجد قوات أجنبية على التراب الأفغاني. كما كان موتهم سببا في إدانة شديدة للحلف من قبل الرئيس الأفغاني، الذي اتسمت علاقته بالناتو بدرجة كبيرة من البرود منذ بعض الوقت. والحادث الأخير دفع الجنرال ديفيد بيترايوس قائد قوات التحالف في أفغانستان إلى تقديم اعتذار، عبر فيه عن خالص تعازيه ليس فقط لعائلات أولئك الصبية ولكن للأمة الأفغانية بكاملها، وهو اعتذار يمثل في حد ذاته مؤشراً على أن الولايات المتحدة تدرك جيداً أن حوادث قتل المدنيين تنال من سمعة قوات التحالف. وأثبتت التحقيقات التي أجريت حول الحادث من قبل الولايات المتحدة، أن المروحيات كانت ترد على هجوم بالصواريخ نفذه مقاتلو "طالبان" على قاعدة أميركية. وأن الجنود في حماستهم لتعقب وقتل المهاجمين قتلوا الأطفال التسعة الأبرياء عن طريق الخطأ. وهذا الحادث لم يكن مؤسفا فحسب، وإنما أثار موجات من الغضب في مختلف أنحاء أفغانستان وأدى إلى إذياد درجة الامتعاض التي يشعر بها الأفغان العاديون جراء وجود قوات أجنبية على أراضيهم، وهو الامتعاض الذي يزداد حدة مع كل عملية من عمليات الحلف ينتج عنها قتل مدنيين بطريق الخطأ. وهناك نتيجة أخرى لمثل تلك العمليات وهي استغلال "طالبان" لها في أقناع المزيد من الأفغان بصحة موقفها في مقاتلة الأجانب، والإصرار على خروجهم ومواجهتهم عسكرياً. وقد تمثل ذلك ـ فيما يتعلق بحادث قتل الصبية ـ في رد فعل "محمد بسمل" الشاب الأفغاني البالغ من العمر 20 عاما وهو شقيق اثنين من الصبية الذين لقوا مصرعهم. ففي لقاء أجرته معه صحيفة دولية قال"بسمل": إن الخيار الوحيد المتاح أمامي هو أن أحمل بندقية كلاشينكوف، أو مدفع آر.بي.جي، وأواجه أكبر عدد ممكن من جنود التحالف". هذا الموقف وأمثاله هو تحديداً، ما يجب على أميركا تجنبه في الوقت الراهن الذي يستعد فيه الأفغان لمرحلة انتقالية، يُعتقد على نطاق واسع أنها ستكون غاية في الصعوبة، ومحفوفة بالمخاطر. ومما يؤسف له أن قتل الصبية التسعة ليس حادثاً معزولاً. فمنذ أسبوعين تقريباً لقى ابن عم مسن للرئيس حامد كرزاي مصرعه في عملية للناتو تم تنفيذها على نحو متعجل وسيء. خلال تلك العملية التي جرت ليلا، لقى "حاجي يار محمد كرزاي" مصرعه رميا بالرصاص في قرية "كرز" التي تنتمي إليها عائلة الرئيس الأفغاني. وهذه الحادثة فجرت معركة كلامية بين كرزاي وقوات التحالف. .في هذه المعركة استغل كرزاي توقيت تلك العملية، التي وقعت مباشرة بعد حادث قتل الصبية التسعة كي يصعد حدة انتقاداته لقوات التحالف من ناحية، وصرف الأنظار عن الأداء السيئ لإدارته، والمشكلات التي يعاني منها داخل حكومته من ناحية أخرى. وفقا لبيانات الأمم المتحدة لقي 2777 مدنيا أفغانيا مصرعهم خلال عام 2010 فقط، وهو ما يمثل زيادة في عدد القتلى من المدنيين بنسبة 15 في المئة مقارنة بالعام السابق 2009. وعلى الرغم من أن 75 في المئة من هذا العدد لقي مصرعه كنتيجة للهجمات التي نفذها المتمردون من طالبان ـ وفقا للأمم المتحدة ـ فإن الغضب العام الناتج عن مصرع المدنيين بقي مركزا على قوات التحالف، على أساس أن وجودها في البلاد هو الذي كان ـ في الأساس ـ سببا في الهجمات التي يشنها المتمردون ضدهم. تشير إحصائيات الأمم المتحدة أيضاً إلى أن عدد القتلى من المدنيين الأفغان نتيجة للعمليات المشتركة بين قوات حلف شمال الأطلسي، وقوات الجيش والشرطة الأفغانية قد بلغ 440 قتيلا خلال العام الماضي. وعلى الرغم من انخفاض نسبة الضحايا من المدنيين بنسبة 15 في المئة خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام مقارنة بنسبتهم من العام الماضي، فإن ذلك لم يؤد لتخفيف حدة الغضب الشعبي ضد قوات التحالف، التي ينظر إليها على أنها قوات معتدية ودخيلة ـ وهو شعور يتزايد حدة على الدوام. ويمكن القول، إن كل حادث قتل إضافي للمدنيين يفيد الراديكاليين ويمنحهم الفرصة للتظاهر بالوقوف في صف واحد مع باقي فئات الشعب. وفي الوقت الذي تتعمق فيه الأزمة في أفغانستان، يزعم أنصار "طالبان" أنهم يزدادون قربا يوما بعد يوم من تحقيق السيطرة على البلاد. وفي الوقت الراهن تضاعف قوات الناتو والقوات الأميركية جهودهما من أجل تسليم مسؤولية الأمن للقوات الأفغانية. فوفقا للخطط الأولية التي تم الانتهاء منها بالفعل، سوف يتم نقل مسؤولية الأمن في أربع ولايات وثلاث من المدن الرئيسية الكبرى قبل يوليو المقبل، على أن يتم تسليم كامل المسؤولية عن الأمن في البلاد بحلول عام 2014. ويوجد في أفغانستان حاليا ما يقرب من 140 ألف جندي من قوات حلف شمال الأطلسي معظمهم أميركيون. مع ذلك، فإن احتمالات عودة "طالبان" للسيطرة على بعض أجزء البلاد قد تزداد يوماً بعد يوم بسبب الأخطاء المتكررة التي ترتكبها تلك القوات، والتي تلحق الضرر عن طريق الخطأ بالمدنيين في إطار المحاولات التي تقوم بها تلك القوات لهزيمة، والقضاء على، العناصر الراديكالية المتطرفة في حركة "طالبان". د.ذكر الرحمن مدير مركز الدراسات الإسلامية ـ نيودلهي