وصلت التداعيات السياسية والبيئية للزلزال القوي الذي ضرب اليابان في الحادي عشر من مارس الجاري بقوة 9 درجات على سلم "ريختر" إلى القارة الأوروبية يوم الاثنين، حيث قررت ألمانيا وسويسرا كبح برامجهما الخاصة بالطاقة النووية، ولو بصورة مؤقتة. وفي هذا الإطار، قامت الحكومة السويسرية بفرض تجميد فوري على مخططات بناء مفاعلات نووية جديدة واستبدال محطات الطاقة النووية القديمة إلى حين قيام فرق المفتشين والخبراء النوويين بمراجعة معايير الأمان والسلامة في ضوء التطورات الأخيرة التي عرفتها اليابان، حيث وضع الزلزال القوي الذي ضرب بلاد الشمس المشرقة يوم الجمعة الماضي و"التسونامي" الذي أعقبه محطات الطاقة النوية في خطر والجدير بالذكر هنا أن سويسرا تعتمد على خمسة مفاعلات نووية من أجل الحصول على 40 في المئة من إمداداتها من الطاقة؛ غير أن الزلازل غير معروفة ولا تحدث عادة في هذه الدولة الواقعة وسط جبال الألب. ومع ذلك، فقد قالت وزيرة الطاقة السويسرية "دوريس لوثارد" إن مصلحة الإنسانية ينبغي أن تولى "أولى الأولويات"، وإن وقف وتعليق بناء المفاعلات النووية مبرر، وبخاصة إذا ما اعتبر المختصون زيادة إجراءات السلامة الزلزالية ضروريا. وفي ألمانيا المجاورة، أعلنت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن قرار حكومتها القاضي بتمديد عمر المحطات النووية في البلاد سيتم تعليقه لفترة ثلاثة أشهر. وإضافة إلى ذلك، يمكن أن تقوم السلطات بوقف تشغيل محطتين للطاقة النووية ريثما يتم إجراء مراجعة كاملة وشاملة بخصوص سلامة المنشآت وقدرتها على الصمود في وجه كوارث طبيعية مدمرة. والجدير بالذكر في هذا السياق أنه كان من المقرر أن يتم إغلاق كل المحطات النووية السبع عشرة التي تتوفر عليها ألمانيا مع مطلع العقد المقبل؛ ولكن ميركل عمدت العام الماضي، إلى تمديد أعمارها بمعدل 12 عاما. غير أن قرار المستشارة الألمانية لم يقابل بتأييد شعبي، حيث قام عشرات الآلاف من المحتجين يوم السبت بتشكيل سلسلة بشرية بطول 45 كيلومترا حول محطة نووية في جنوب غرب ألمانيا، وذلك للمطالبة بالإنهاء الفوري لاستخدام الطاقة النووية؛ وقد ركزت المظاهرة على محطة الطاقة النووية في "نيكارفستهايم" بالقرب من مدينة شتوتجارت الواقعة جنوب غرب البلاد. وفي رد فعلها، قالت "ميركل"، التي يواجه حزبها انتخابات محلية صعبة هذا الشهر، للصحافيين يوم الاثنين إن المسؤولين سيستعملون فترة التعليق التي ستدوم ثلاثة أشهر لبحث سبل تشجيع استعمال الطاقة المتجددة في البلاد. ومما لا شك فيه أن الأحداث التي تعرفها اليابان تمثل انتكاسة للطاقة الذرية في أوروبا، التي خضعت خلال السنوات القليلة الماضية لما يشبه "ربيعاَ نووياَ". ذلك أنه أمام ارتفاع مضطرد في احتياجات الطاقة، إضافة إلى ارتفاع الأصوات المطالبة بخفض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون الناتجة عن استعمال الوقود الأحفوري مثل النفط والفحم، قامت عدد من الدول في المنطقة بإعادة إحياء أو زيادة مخططات لبناء مزيد من محطات الطاقة النووية. وفي هذا الإطار، توجد حاليا أكبر محطة نووية في العالم قيد الإنشاء في فنلندا. هذا بينما ترغب بولندا في بناء محطتين على ساحل بحر البلطيق. أما إيطاليا، فتعتزم بناء أول محطة للطاقة النووية في البلاد في 2013 ومازالت ملتزمة تجاه هذا الهدف رغم الأزمة التي مازالت تتواتر تفاصيلها في اليابان، مثلما أعلن مسؤولون إيطاليون يوم الاثنين الماضي. أما السويد، التي كانت تتوقع إغلاق محطاتها النووية العشر العام الماضي، فقد تراجعت فجأة عن ذلك الطريق في 2009، قائلة إنها لن تستمر في تشغيلها فحسب، وإنما ستسمح باستبدال مفاعلاتها إذا دعت إلى ذلك الضرورة. غير أن معارضة الجمهور لبناء محطات الطاقة النووية والاستمرار في تشغيلها يمكن أن تزداد وتشتد نتيجة للكارثة التي تقع في النصف الثاني من العالم. ففي السويد، على سبيل المثال، صوت السكان الخائفون من انهيار نووي في جزيرة "ثري مايل آيلند" في الولايات المتحدة بأغلبية ساحقة سنة 1980 لحظر مزيد من التوسيع للطاقة النووية. وفي هذه الأثناء، عقد وزراء وخبراء الطاقة النووية بدول الاتحاد الأوروبي اجتماعا طارئا في بروكسل يوم الثلاثاء خصص لمراجعة خطط الطوارئ وتدابير الأمان والسلامة المعتمدة في أوروبا؛ واتفقوا جميعا على إجراء اختبارات لـ143 محطة نووية موجودة في 14 بلدا أوروبيا تشمل تقييما لمخاطر أضرار محتملة جراء الزلازل أو أمواج تسونامي أو هجمات إرهابية أو انقطاع التيار الكهربائي؛ هذا في حين دعا وزير البيئة النمساوي البلدان إلى إجراء "اختبارات جهد" لقطاعات الطاقة النووية في بلدانهم. أما في بريطانيا، فقد طلبت الحكومة التي يقودها "المحافظون" من رئيس عمليات التفتيش النووية تقريراً شاملا حول تداعيات الأزمة في اليابان. وقال رئيس الوزراء ديفيد كاميرون للبرلمان يوم الاثنين الماضي "إذا كانت ثمة دروس ينبغي تعلمها، فيجب علينا أن نتعلمها". هنري تشو محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"