هذه هي حقيقة الوضع في البحرين الآن. انقسام طائفي غير مسبوق في تاريخ هذا البلد العزيز علينا جميعاً. وأحداث دامية مؤسفة لا يمكن لأي محب للبحرين العزيزة إلا أن يدين عنفها ودمويتها مهما اختلفت أشكاله. اصطدمت دعوات الحوار بجدران التشدد الرسمي، وصادرت المعارضة المتطرفة المطالب المشروعة لمعارضة كانت شمولية الفئات ومشروعة الأهداف في بدايتها، لكن التطرف رفع سقفها بمطالب وشروط "تعجيزية" مسبقة لبدء الحوار، فكانت النهاية دامية وبشعة. البداية كانت مطالبات شعبية بين كافة الفئات والطوائف، وكان من الواضح أن هناك مدرستين رسميتين مختلفتين للتعامل مع تلك المطالب: مدرسة قديمة متشددة لا تريد أن تستمع وتستجيب لتلك المطالب، وترى فيها ضعفاً للنظام، ومدرسة شابة وواقعية يقودها ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، كانت ترى القوة الحقيقية في النظام بالاستماع لمطالب المحتجين وتلبيتها. وكان بين المتظاهرين من يرى ضرورة الجلوس على طاولة الحوار، وخصوصاً في ضوء أجندة ولي العهد التي أظهرت استعداداً للتفاهم حول كافة القضايا. لكن فريقاً متطرفاً من المتظاهرين فهم دعوات الحوار ضعفاً، وفرصة تاريخية برفع سقف المطالب وإملاء الشروط قبل الحوار. فرفضه بذريعة عدم صدقيته، وغالى في مطالبه، وارتفعت شعارات حرفت المطالب عن وطنيتها، وأرسلت رسائل مخيفة لجموع مختلفة في البحرين - وخاصة السنة منهم، وسط تعنت "جماعة الدوار"، وهدير صوتهم بإسقاط النظام، وشعارات المطالبة بالجمهورية الإسلامية في البحرين. وقد رافقت هذا التطرف أعمال شغب وقطع للطرقات الرئيسية، وإقامة حواجز ومتاريس في الشوارع، وتفتيش المارة وتعرضهم لاعتداءات طائفية. مما أدى إلى حالة من الشلل في البلاد، فأغلقت المدارس، وتوقفت الأعمال، وقوي الطرف المعادي للحوار في الفريق الرسمي، واشتد موقفه، وتعالت صيحاته: لنضرب بيد من حديد قبل فوات الأوان. فاستدعت الحكومة قوات درع الجزيرة، وجرت المصادمات الدامية التي راح ضحيتها عدد من المتظاهرين وبعض رجال الشرطة وعشرات الجرحى، وأعلنت حالة الطوارئ، فتلاشت أجندة الإصلاح، وتغيرت الأولويات، وانتكست الحالة العامة للحريات بالبحرين: الحكومة تفسرها بالضرورة لوقف الانزلاق نحو الاحتراب الطائفي، ومعارضوها رأوا فيها سقوطاً لقناع الحوار الحكومي المطالب بالإصلاح. المراقب القلق على الحالة البحرينية والخليجية بوجه عام، لا يمكن أن ينكر أدواراً لقوى طائفية خارجية، أججت الصراع الطائفي، وألهبت مشاعر الطرفين، وأذعرت المواطن البحريني البسيط، فانقسم الشارع البحريني وبوضوح مؤلم بين الشيعة والسنة، على الرغم من أصوات مدنية خافتة تحاول مداواة الجرح الوطني، ولملمة الصف الداخلي تحسباً لما يخبئه المستقبل. لكن وعلى الرغم من الجرح النازف بالبحرين اليوم، فإن الخلاص الوحيد له هو بخلاص كافة فئاته، والعودة بقواه السياسية إلى طاولة الحوار من أجل الإصلاح، ووقف الانشقاق الطائفي المؤلم. إن التاريخ الحديث في العراق، وقبله في البوسنة ولبنان يخلص إلى أن الصدام الطائفي نار تحرق الجميع ولا تستثني أحداً، كما أن الدعوات إلى إسقاط الأنظمة في الخليج بدلًا من المطالبة بإصلاحها، هي دعوة للفوضى والدخول في أنفاق المجهول والصراع المحتوم. لا وقت للتلاوم الآن، ولا مجال للانتظار، فعلى الرغم من الحزن الذي يلف القلوب، وبالرغم من الآلام والجروح، فإن الحل الناجع لن يكون القوة، ولن يكون بالاستمرار في فرضها، ولكن بالحوار الذي وقوده المسؤولية التاريخية، ومنهاجه الإيمان ببحرين لكل البحرينيين، متعايشين بطوائفهم المختلفة. إن الدعوة إلى الحوار من أجل إحلال التعايش السلمي وإشاعة الحرية والمشاركة وإعادة الأمور إلى نصابها، ليست دعوة مثالية رومانسية، لكنها الواقعية بأقصى درجاتها، لأن بديل الحوار انقطاعه، وغيابه يعني استمرار الحالة الراهنة الكئيبة.