شعور لا يوصف لمحب الكتب وهو يتجول في أرجاء معرض أبوظبي للكتاب الذي يُسدل الستار عليه يوم غد. هذا المعرض الذي أخذ مكانه في عالم الكتب من حيث التنظيم والإدارة والمشاركات، وكذلك الفعاليات التي تتمحور حوله. ومن ألطف المشاهد التي رأيتها في المعرض هذا العام إقبال جيل الشباب على اقتناء الكتب وحرصهم على الاختيار، وهذا مؤشر على أن الأمة العربية ليست أمية، فهي أمة تقرأ، كيف لا وكتاب الله الذي أنزل بالعربية، كانت أول رسالة له من السماء إلى الأرض هي: "اقرأ"، فقدم الله تعالى القراءة على بقية الأحكام لأنه تعالى يعلم خطورة أن يعيش الإنسان منا على كوكب الأرض، وهو لا يقرأ، فجل المصائب والمشاكل التي نقع فيها مردها إلى أننا نفعل ثم نتعلم. والأصل أن نطبق القاعدة التي نادى بها الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه عندما خصص باباً أسماه باب العلم قبل العمل، للأسف الشديد مرت علينا فترة من الزمن أهملنا هذه القاعدة، فكثرت المشاكل والتحديات في الحياة. ومع شيوع الكتب وتداولها إلكترونياً وورقياً تبدأ لنا سلسلة جديدة من التحديات لابد من الانتباه لها. أول هذه التحديات مع شيوع الكتاب تتلخص في من هو الإنسان الذي نقرأ له، من يتردد اليوم على معارض الكتب "وقد رأيت هذا بنفسي"، نجد بعض الكتاب قد أصيبوا بنوع من الإسهال في كتاباتهم، فهناك مكتبات كاملة تجمع مؤلفات شخص واحد يستطيع أن يكتب تقريباً في كل شيء، ومن العقل والمنطق أن يرفض الإنسان مثل هذا الطرح، فالعلوم اليوم تعقدت لدرجة أن من يتخصص في علم من العلوم لا يكاد يكون عنده وقت للكتابة في غيره من الفنون، فمن أين يأتي أولئك القوم بالعلم الذي يمكنهم من الخوض في كل المسائل، فأول قاعدة لابد من الانتباه لها هي احترام التخصص، فالإنسان يقرأ لمن هو متخصص في هذا الفن. المسألة الثانية في هذا الإطار تكمن في اختلاف الطرح حول قضية من القضايا لكتاب كلهم أهل تخصص، وهنا يأتي محك آخر للقراءة الناقدة شعاره الدليل بيننا، فإن رأيت اختلافاً من قبل أهل التخصص في مبحث من المباحث. فانظر إلى جودة الدليل وحداثته، فمن يكتب مثلاً حول الذكاء وعلومه اليوم ومراجعه تتلخص في كتب ما قبل 2005، فإن كتاباته فيها كثير من الزلل لأن هذا العلم قد تغير وتطور، والقياس في محله على بقية المسائل والعلوم الحديثة. معرض الكتاب هذا العام بدأ يسدل الستار على آخر فعالياته، وإنْ كان من توصيات للمعرض في دورته القادمة فأهمها في تصوري الحرص على الإعلان عن تخفيضات مناسبة للكتب فوضع الناس المادي يجعلهم يترددون في اقتناء كتب دون تخفيضات تذكر، وهذا هو دور المعارض التي ينبغي أن تستخدم نفس استراتيجيات المراكز التجارية في فترة التخفيضات. الأمر الثاني الذي يشجع الناس على الحضور والتفاعل مع المعرض إقامة المحاضرات الجماهيرية التي تستقطب آلاف الناس للحضور والتفاعل مع المعرض، فهناك من الناس من شغلتهم الحياة عن الكتاب لكن كلمة من محاضر مشهور تغير بعض العقول.