في العام الثاني من ولايته الرئاسية، اقترح ساركوزي إنشاء اتحاد متوسطي للدول المطلة على الأبيض المتوسط، في إطار استراتيجية تهدف إلى حفز الاستقرار والازدهار الاقتصادي شرقي الأطلسي وشمال إفريقيا. وتقوم فكرة إنشاء هذا الاتحاد على إقامة مجموعة اقتصادية مرنة تجمع الدول الأعضاء. وتشمل الخطة حفز سياسات التحرر السياسي والاقتصادي، والتصدي لقضايا الهجرة والطاقة والمسائل الأمنية. وتعكس مبادرة ساركوزي هذه الهواجس المشتركة بين فرنسا وإيطاليا وبقية مجموعة الدول الأوروبية، وسعيها جميعاً لتأمين مصالحها في منطقة جغرافية مجاورة، فضلاً عن أن هذه الدول المتوسطية تعد مصدراً لنسبة لا تقل عن 40 في المئة من واردات أوروبا النفطية. بيد أن الانتفاضات الشعبية التي شهدتها كل من تونس ومصر وليبيا مؤخراً، تعكس تأثيرات عدم الاستقرار السياسي على هذه المنطقة المتوسطية المجاورة لأوروبا، كما تبين ضرورة أن تأخذ أوروبا بزمام المبادرة الدولية لحل هذه الأزمات والمشاكل. وقد حان الوقت لأن تغادر القوى الأوروبية -سواء عبر الاتحاد الأوروبي أم اتحاد مجموعة الدول المتوسطية أم أي كيان آخر- مقاعد الفرجة وتؤدي دورها القيادي، بدلاً من الاكتفاء بانتظار واشنطن ومطالبتها بالتصدي لهذه التحديات الاستراتيجية الآنية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط. فقد فر جراء الاضطرابات السياسية الأخيرة في تونس، ما يزيد على 7000 مواطن من شمال إفريقيا باتجاه جزيرة لامبيدوسا الإيطالية. يضاف إلى ذلك أن استمرار القتال بين جماعات المعارضة وقوات القذافي يمثل تهديداً فعلياً لواردات إيطاليا من منتجات الطاقة، لاسيما أن إيطاليا تستورد نسبة 10 في المئة من حاجتها من الغاز الطبيعي وحوالي ثلث وارداتها النفطية، من ليبيا. إلى ذلك حذّر وزير الخارجية الإيطالي من احتمال تدفق نحو 300 ألف لاجئ من شمال إفريقيا إلى بلاده بسبب الاضطرابات التي تشهدها ليبيا حالياً. وفي هذه الهجرة الجماعية المحتملة لمواطني شمال إفريقيا باتجاه الحدود الأوروبية المجاورة، ما يزيد من قلق أوروبا إزاء تنامي أعداد الجالية المسلمة المقيمة في مختلف دول القارة. وفي المقابل، فإن استجابة أوروبا لهذه الأزمات الحادثة في السواحل الإقليمية المجاورة لها، لا تزال ضعيفة جداً. ذلك أن أوروبا لم تتعد بعد حدود الخطابة والتصريحات، دون اتخاذ أي خطوات عملية للانخراط الدبلوماسي في الأحداث الجارية في دول المنطقة المجاورة، كما لم تكلف نفسها اتخاذ خطوات عملية لدعم الإصلاحات السياسية الجارية. وبينما انضم الاتحاد الأوروبي إلى الموقف الأميركي المطالب بتبني قرار بفرض عقوبات دولية على النظام الليبي الحاكم، فقد عجزت أوروبا عملياً عن أداء الدور القيادي المنوط بها لحل هذه الأزمات المتوسطية. ورغم دعوة ساركوزي لأوروبا ومطالبته إياها بأن "تتبنى استراتيجية جماعية مشتركة في مواجهة الأزمة الليبية، يمكن أن تكون لها تأثيرات بالغة الأهمية على بسط الاستقرار في المنطقة بأسرها" على حد تعبيره، فليس هناك أي مؤشرات على تخطيط ساركوزي لتوظيف مبادرته المتعلقة بالاتحاد المتوسطي، كجزء من الدفع بالاتحاد الأوروبي إلى قيادة استراتيجية دولية للتصدي للأزمة الليبية. وهذا هو الدور المطلوب من ساركوزي وبقية القادة الأوروبيين. ذلك أن ما يحدث في هذه المنطقة يؤثر مباشرة وبدرجة أكبر على مصالح أوروبا وأمنها، أكثر مما يؤثر على مصالح واشنطن وأمنها. -------- ليون تي هادار زميل باحث في قسم دراسات السياسات الخارجية بمعهد "كاتو" -واشنطن -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"