لست في حاجة إلى تكرار ما ذكرته حول مشكلات البعد الاقتصادي والاجتماعي، ودوره في إثارة الشارع العربي وتحريكه، لكن الإصلاح لا يكتمل إلا بمعالجة البعد السياسي، لأهميته ولارتباطه بعملية الإصلاح الشامل التي أصبحت مطلباً شعبياً وضرورة مجتمعية في الكثير من البلدان العربية. وانطلاقاً من كون الإصلاح السياسي يمثل عمقاً استراتيجياً ومدخلاً لاستقرار الدول العربية ولتحقيق الأمن الوطني والقومي، فلابد أن يرتبط الخطاب السياسي العربي، على هذا الطريق، بمسألة الفعل قبل القول، خاصة في مثل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها الأمة العربية والأوضاع الخطيرة التي تهدد دول المنطقة داخلياً وخارجياً، وكذلك في ظل التحولات الكبرى والأجندات الإقليمية والدولية التي تتحرك اليوم تجاه الوطن العربي وفي محيطه، والتي تستدعي اليقظة والانتباه، وعلى الأخص فيما يتعلق بفهم الحاجة المتزايدة لهذا الجانب، وما ينطوي عليه من رغبات لدى الشارع العربي في موضوع الإصلاح السياسي وإشكالياته. لقد انفجرت "الفتنة" في بعض الدول العربية، وسحبت معها التدخل الخارجي، الإقليمي والدولي. لذلك فثمة حاجة للإصلاح السياسي الاستراتيجي بعيد المدى، خاصة في جانبه الأمني والذي أصبح يقلق المواطن العربي ويضيق عليه في عيشته وحريته، ويضعه تحت وطأة الخوف من الحاضر قبل المستقبل، كما يضعف قدرته على المشاركة بحرية في حركة التنمية. وإذا تحول الإنسان العربي إلى كائن خائف ومهمش، فذلك يجعله قليل الولاء والانتماء للوطن، ومن ثم يصبح هشاً أمام إغراءات الخارج، وغير قادر على العطاء والإنتاج والإبداع والمشاركة في تطوير المجتمع. لذلك فالضرورة تقتضي معالجة حالة الخوف الأمني قبل كل شيء، ونزعها من داخل الإنسان العربي، والعمل على إيجاد حالة مستديمة من الاستقرار النفسي والأمني والاجتماعي لدى المواطن العربي، وفق مطالب المتغيرات المستجدة، سواء أكانت متغيرات الداخل أم متغيرات الخارج، والتي تعمل على مساعدة المجتمع بأكمله على تحديد أهدافه ورؤيته وتجديد نفسه وتحريك العوامل والوسائل المساعدة على خدمة الأوطان على صعد التنمية الاجتماعية بكافة مساراتها. لابد من تعزيز الانتماء الوطني داخل الإنسان العربي كي يكون ذلك منطلقاً حقيقياً إلى تقوية الولاء والانتماء في الداخل، وهو أمر يحتاج إلى تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص بين الجميع في الحقوق والواجبات، وتوفير قدر كبير من العدالة الاجتماعية، وقدر كاف من الحرية والديمقراطية، وإفساح المجال للمشاركة في صنع القرار وبناء السلام وتنشيط الحراك الاجتماعي الذي يعمل لصالح الوطن والمجتمع. لابد أيضاً من إيجاد مشروع عربي واضح المعالم والرؤية، يهدف إلى معالجة كل الإشكاليات السياسية بين الشعب والقيادة والتي غالباً ما تسبب آلاماً تستمر في الداخل، وأن نضع لها الأبعاد الاستراتيجية القريبة والبعيدة، سواء في جانبها السياسي والاجتماعي والاقتصادي أو في جانبها التربوي والأمني، بحيث تتم من خلالها صياغة العقل العربي بصورة جديدة تعمل على التوفيق التام بين الشعب والقيادة، حفاظاً على سلامة المجتمعات والأوطان وتماسكها وسلامة الأمن القومي للأمة العربية، وكي يصبح المواطن العربي لديه مناعة تامة ضد أي تدخل خارجي يهدد أمن الأوطان وأمن الأمة.