استقر رأي أوباما على استخدام استراتيجية تقوم على التعامل مع كل دولة من دول الشرق الأوسط على حدة فيما يتعلق بما يجري فيها من ثورات وانتفاضات، بدلاً من أن تكون له سياسة إقليمية جامعة للتعامل مع أجندة الحرية والديمقراطية في تلك الدول. وهذا النهج غير كاف لمواجهة التحديات واستغلال الفرص التي يمكن أن تنتج عن الاضطراب السياسي السائد حالياً في المنطقة. وهذا النهج أدى - في أحسن الفروض - إلى نتائج مختلطة حتى الآن. فمن الناحية الإيجابية غادر الحاكمان اللذان كانا يحكمان تونس ومصر بطريقة سلمية إلى حد كبير، ويبدو أن هناك تحولاً نحو الديمقراطية يمضي الآن على قدم وساق في ذينك البلدين على الرغم من أن الموقف فيهما لا يزال في حالة سيولة. وفي البحرين أقنعت الولايات المتحدة السلطات الحاكمة بالدخول في حوار سلمي مع المعارضة. الأحداث التي تقع في بلدان أخرى مثيرة للقلق. فهناك في الوقت الراهن مظاهرات واحتجاجات في اليمن والجزائر والمغرب والأردن، ودول أخرى وليس من المعلوم ما إذا كانت أنظمة الحكم في تلك البلاد ستتمكن من الوصول إلى تفاهمات مع المحتجين والمعترضين من دون تدخل أميركي بدرجة أكبر من الدرجة التي يتم بها حالياً. ويشار في هذا السياق إلى أن إدارة أوباما قد أخفقت حتى الآن في تقديم يد المساعدة للمعارضات في البلدان التي تحكمها أنظمة مناوئة لأميركا مثل ليبيا على سبيل المثال بما يمكن تلك المعارضات من التفوق على تلك الأنظمة. واستراتيجية أوباما القائمة على التعامل مع الانتفاضات والاحتجاجات في كل دولة من دول الشرق الأوسط على حدة مشوبة بعيبين رئيسيين. الأول، أنها تلغي الصلة بين سياسة الولايات المتحدة في موقف معين وبين المحصلة التي تحققها تلك السياسة في مكان آخر. فكما ألهمت الثورة في تونس باقي الانتفاضات التي حدثت بعدها، فإن الموقف الأميركي الخاص بالتعامل مع كل دولة على حدة سوف يكون لها تداعيات وتفريعات في دول أخرى. الثاني، أن هذه الاستراتيجية تقوم على رد الفعل وليس على المبادرة بالفعل. مع أن كافة الآراء التي يقدمها الخبراء تشير إلى أن أننا إذا أردنا وضع الأنظمة المعادية في وضع دفاعي، فإننا بحاجة إلى استراتيجية تسمح لنا بالإمساك بزمام المبادرة. ذلك يعني أنه يجب على الولايات اتباع استراتيجية إقليمية تقوم على المبادرة تفرق بين الحكومات المؤقتة والأنظمة السلطوية الصديقة للولايات المتحدة وبين الديكتاتوريات المعادية لها. ففي تونس ومصر يجب على الولايات المتحدة أن توجه التقدم الذي يسير إلى الأمام في البلدين نحو الديمقراطية بحيث ينتهي بتعزيز الديمقراطية الكاملة. وفي العراق يجب على الولايات المتحدة مساعدة تنفيذ الاتفاقيات الخاصة بتقاسم السلطة التي تم التوصل إليها هناك في الشهور الأخيرة، مع القيام في الوقت نفسه بحض الحكومة العراقية على محاربة الفساد وتحسين الخدمات الأساسية. وفي الأنظمة الصديقة للولايات المتحدة يمكن لواشنطن حث أنظمة الحكم على فتح المجال للعمل السياسي للاعبين المسؤولين والإشراف على تنفيذ إصلاحات سياسية، مع تشجيع الملكيات القائمة على التحول لملكيات دستورية والضغط على زعماء اليمن والجزائر على تعزيز برلماناتهم، والعمل على التعاطي مع المعارضات، وتنفيذ والالتزام بالحدود الدستورية المقررة. فمن دون تلك الإجراءات، فإن تلك الدول معرضة لخطر عدم الاستقرار بشكل متزايد. والانتفاضات الشرق أوسطية المنطوية على أكبر قدر من الأمل للولايات المتحدة، هي تلك التي تحدث في الديكتاتوريات المناهضة لأميركا. والتحدي المباشر في هذا المجال هو العمل على ضمان إقصاء القذافي. ومن ضمن الخطوات التي يمكن اتخاذها للمساعدة على تبلور هذه النتيجة فرض منطقة حظر طيران وتقديم الدعم والمساندة للسلطات الليبية في المناطق المحررة، وكذلك تقديم المساعدات العسكرية والإنسانية للمتمردين، ومحاولة الوصول إلى العناصر المكونة لتحالف القذافي، وعلى رأسها القبائل. وفي هذا السياق يجب أن تلعب الدعوة التي وجهتها جامعة الدول العربية لفرض منطقة حظر طيران دوراًَ في دعم دعوة مجلس الأمن لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد نظام القذافي. من خلال التحرك على نحو حثيث على هذه الجبهات كافة، يمكن للولايات المتحدة وحلفائها البدء في التوصل إلى تفاهم مع الليبيين المناهضين للقذافي. ومن دون هذا الدعم الخارجي، فإن نظام القذافي قد يسحق المعارضة لتتحول ليبيا بعدها لدولة منبوذة. عندئذ قد يدفع ذلك الديكتاتوريات الأخرى في المنطقة لسحق المعارضات ومقاومة جهود التحديث، ففشلنا في العمل في الوقت الراهن سوف يجعل من تدخلنا في المستقبل أكثر كلفة بما لا يقاس. أما الإطاحة بالقذافي وتعزيز الأنظمة الموالية لأميركا فسوف يؤدي إلى زيادة احتمالات الإصلاح في إيران وسوريا من خلال معارضة الأجندة الإيرانية التي تقوم على خطاب مؤداه أن الانتفاضات الحالية، هي انتفاضات إسلامية الطابع وموجهه في الأساس لشركاء الولايات المتحدة. نحن الآن نقف في مفترق طرق. فخلل نظام الشرق الأوسط الآن سيؤدي لمخاطر وتحديات تهدد المجتمع الدولي بأسره. والثورات الديمقراطية، السلمية في معظمها والتي يقودها شباب تندلع الآن في مختلف أنحاء الشرق الأوسط تمثل فرصة متاحة أمام الولايات المتحدة للتدخل كعامل مساعد على إحداث التحول والتغيير. ويجب علينا في هذا السياق وبالتعاون مع الفاعلين المسؤولين اتخاذ الخطوات اللازمة المسؤولة لتسهيل وتعزيز التحول الحادث في الشرق الأوسط في الوقت الراهن. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ زلماي خليل زاد سفير واشنطن في أفغانستان والعراق والأمم المتحدة في عهد بوش الابن ينشر بترتيب خاص مع خدمة"واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"