"معرض أبوظبي للكتاب" بفعالياته الثقافية المتنوعة أوسع من مجرد صناعة كتاب، تأليفاً ونشراً، رغم أهمية ذلك. والأعوام الخمسة الماضية منحته رسوخاً أكبر وأصبح يعمل بمعايير عالمية. في سابقة عربية تم استبعاد 69 دار نشر عربية لأسباب لها علاقة بحقوق النشر والتأليف، في رسالة لها دلالتها في العلاقة بين المؤلف والقارئ. عانى المؤلف العربي لسنوات من قرصنة كتبه. أبوظبي التي تشهد فعاليات لها علاقة بالمسألة الثقافية، بدأت تسابق المدن العالمية، مثل لندن ونيويورك وباريس، في صناعة الثقافة. وبشكل عام هناك تركيز على المهرجانات الثقافية في أبوظبي، عقب المعرض مباشرة هناك مهرجان أبوظبي، والهدف منه ترسيخ العمل الثقافي من متاحف وفنون وموسيقى عالمية. وفي كل هذا نجد أن الميل الأول لأبوظبي في محاولة إحياء الثقافة العربية وتكريم مثقفيها بالشكل الذي يليق، وبالأخص احترام صناعة الكتاب العربي الذي يعاني معضلات، وإن كان يزين الرفوف في البيوت ويجمّلها. أبوظبي تعمل من أجل تشجيع الإنسان العربي وفتح شهيته على القراءة من أجل القراءة وليس لأهداف وظيفية. ولأن الإنسان العربي يقرأ كي يحصل على وجاهة اجتماعية أو يدعم فرصه في الحياة المهنية، أو من أجل الكتابة، ثم يترك القراءة بعد تحقيق أهدافه ليلتفت إلى صراعه مع احتياجاته الحياتية... فالقراءة من أجل المتعة نادرة. وتؤكد الإحصائيات أن القراءة تراجعت عربياً بشكل كارثي مقارنة بالمجتمعات الغربية. فمعدل قراءة المواطن العربي خلال السنة لا يتعدى الصفحة الواحدة، بل أحياناً يقل عن ذلك. المواطن البريطاني معدل القراءة لديه يصل سبعة كتب سنوياً والأميركي 11 كتاباً، ومع ذلك فهناك شكوى من تراجع القراءة في البلدين. الإحصائيات كفيلة بأن تجعلنا أمة لا تقرأ. الكل يبحث عن تشجيع القراءة؛ اليابانيون يشجعونها بتوفير أكشاك إلكترونية عند مواقف وسائل النقل والأماكن العامة وبأسعار رمزية. وفي الولايات المتحدة يشجعون القراءة بالتعاقد مع المؤلف قبل التأليف ويفرغونه للعمل ويقدمون له مكافآت مجزية، أما نظيره في العالم العربي فيعاني في إيجاد تمويل لكتابه، ويعاني في نشره وتوزيعه، وكذلك في إقناع الناس بقراءته، وأحياناً لا يتم شراء كتبه، فيقوم بإهدائها للأصدقاء والصحافيين. وفي كوريا الجنوبية يخصصون جوائز أدبية لدفع الناس للقراءة. وكثيراً ما نبدي انبهاراً بأن القارئ الغربي لا يحتاج إلى مكان للقراءة، فهو يقرأ في كل مكان. في حين أن القارئ العربي يشتكي قلة الوقت، وكثيراً ما يخجل من القراءة في أماكن الانتظار الكثيرة والطويلة عندنا، لأن ردة الفعل الأولى عليه أنه يتظاهر بالثقافة! وكأن القراءة للمثقفين فقط. أريد أن أصل إلى أن محاولات تشجيع القراءة لم تحقق هدفها، حتى تلك التي ابتدعت الكتب الصغيرة والاختصارات والتلخيصات. المسألة ليست كلها أحجام الكتب ونوعية موضوعاتها وأسعارها، وإن كان ذلك على قدر من الأهمية، لكن الأمر متعلق بأن الكتاب الورقي في السابق كان هو المصدر الوحيد للمعرفة، أما اليوم فتعددت الوسائل، والإنسان في أي مكان في العالم يبحث عن "السهل" وليس الإنسان العربي فقط. فتعدد المصادر يؤدي إلى الاهتمام بالمصادر السهلة، خاصة في الإنترنت مثل الفيسبوك والفيلم الروائي، والقراءة الصوتية. هذا كله يعوض قراءة الكتاب الورقي. إن العالم يتجه الآن نحو ابتداع الوسائل المتنوعة التي تضمن تواجد الكتاب بين يدي القارئ، في أي مكان وزمان.