التوقعات القائلة بأن مصر لا تسير في طريق الاستقرار، وما حدث عملياً من اقتحام لمقار الشرطة... يمثل مؤشراً على خطورة الأزمة المصرية. الشباب قاد الثورة وأمسك بزمام المبادرة، والأحزاب التقليدية وقفت في الخلف تتفرج إلى أن نضج الظرف ثم قفزت لقطف ثمار الثورة. وما يحدث اليوم ليس إزاحة للحكم وإنما هو انقلاب على مؤسسات الفساد، تقابله محاولات مستميتة للحفاظ على شبكة علاقات النظام السابق. والخطورة أن الوضع يتحلل بطريقة دراماتيكية، وليس بالإمكان التحكم فيها، سواء من طرف بقايا النظام أو من جانب الأطراف الخارجية المؤثرة. أتحدث كثيراً مع زملاء في مجال التخصص، نتحاور بقصد الوصول إلى رؤية علمية في تفسير الأحداث التي تشهدها الساحة العربية، وهي أحداث خطيرة، والانقسام قائم وكبير في تحليل أبعادها. وعلى سبيل المثال فإني شخصياً أتبنى الفكرة القائلة بأن ما جرى في مصر تحديداً يعيد للأذهان حدث اغتيال السادات، حيث ظهرت على الملأ جماعة الإسلامبولي، وهي جماعة دينية متطرفة. وما يثير الغرابة هو أن العرض العسكري عادة يكون الجنود فيه مجردين من السلاح، لكنهم في ذلك اليوم استطاعوا إدخال السلاح واستخدامه ضد السادات. ما أقصده هو إثارة الذهن حول الحدث، حيث من نفذ أشخاص ومن خطط أشخاص آخرون ليسوا بالضرورة مرتبطين ببعضهم بعضاً. وهنا نعيد التفكير في التحولات الشبابية، فهي حقيقة لا ينكرها أحد، لكن درجة التنظيم في الانتقاء والتسلسل في الدول، أمر يثير الدهشة. وما يعنينا هو كيف نفهم الحدث ونحلل إبعاده. فالهجوم على مؤسسات أمن الدولة في مصر يعكس طبيعة علاقة الكراهية التي تهيمن على ذهن المواطن، لاسيما أن الهجوم جاء بشكل غير متوقع، وهو ما قد يمس أمن الدولة المصرية. يبدو أن هناك إجماعاً بين كثير من المحللين الاجتماعيين في أنحاء العالم على أنه ليس الفقر هو المحرك لهذه الثورات، بقدر ما هي الكرامة الإنسانية التي ديست من خلال مؤسسات السلطة. فالحركة الشبابية هي بمثابة دفاع عن الكرامة المهدورة، وتعبير عن فقدان الهوية، وعن آلام الضياع النفسي والاجتماعي الذي تعيشه شريحة الشباب. وإذا ما ذهبنا أبعد من ذلك، فسنجد بعض المؤشرات التي ينبغي النظر فيها؛ فالمشهد المصري والتونسي والليبي، ما يجمعها هو تحالف المال وذوي النفوذ. ولعل ما نشر عن حجم الفساد الكبير والثروات الضخمة لنخبة الحكم في البلدان الثلاث يؤكد خطورة الموقف. كما ينبغي أن نقرأ الحدث بتفاصيله، ونعمل بما يحكم فيه المنطق والعقل لنتجنب مخاطر نملك تجنُّبها، خصوصاً أننا في الكويت دولة تتميز بتماسك مؤسسة الحكم مع مواطنيها؛ فالحكم هو صمام الأمان للدولة والحفاظ على هذه المؤسسة هو ما يجب تعضيده في كل أحوال ومهما كانت درجة الاختلاف والخلاف.