سقطت جمهوريتان عربيتان، وجمهورية تتأرجح الآن، وجماهيرية مترددة بين الصمود والسقوط. ومملكة في أقصى المغرب العربي اتجهت نحو طريق الاستقرار بعد تعديلات دستورية كبيرة، وسلطنة في أقصى المشرق العربي استوعبت مطالب شعبها وبدأت في تعديلات جوهرية وتغييرات سريعة، ومحاولات فقدت مصداقيتها في مملكة خليجية، ومشروع محاولة أخرى فشلت في مملكة خليجية كبرى... هذا هو الوضع العربي باختصار شديد. لقد مر يوم الجمعة الماضي، ?11? مارس، بسلام في المملكة العربية السعودية بعد أن فشل منظمو "ثورة حنين" في تجميع المواطنين السعوديين للخروج في مظاهرات في بعض مدن المملكة، ولم يستجب لدعوتهم إلا عدد قليل جداً. والسعودية كبلد محوري في شبه الجزيرة العربية وذي دور إقليمي في سياسة المنطقة وفي الاقتصاد العالمي، ليس من مصلحة أحد إحداث أي خلل في استقرارها، بل إن ذلك لن يكون مقبولاً، لا إقليمياً ولا دولياً، لذا فمن الحكمة التعامل مع مطالب بعض الفئات في الوقت المناسب، إذ أصبح واضحاً للجميع أن الـ60 دقيقة لها قيمة كبيرة في وقت الاضطرابات والاحتجاجات الشعبية. الجميع يتفقون على أن هناك فئات لديها مطالب في بعض الدول العربية، وإن اختلف مستوى وحجم وأهمية تلك المطالب من بلد لآخر. وفضلاً عن كون تلك المطالب ليست جديدة، فإن الحالة السياسية التي تمر بها المنطقة تغري الكثيرين كي يلحوا عليها ويضعوها على الطاولة مستفيدين من حالة المد الشعبي الحاصل في بعض الدول العربية، وكي يضغطوا بالطرق المعتادة وغير المعتادة لتحقيق مطالبهم قبل أن تنتهي "الحفلة الشعبية" أو "الصحوة العربية العارمة" التي بدأت إرهاصاتها تدخل بالمنطقة في مرحلة جديدة من التاريخ. وهناك حاجة إلى سبق المطالبين بخطوة نحو الأمام، وهذا ما وعاه خادم الحرمين الشريفين إذ ما أن عاد من رحلة العلاج حتى أمر بحزمة من الإجراءات بقيمة مائة مليار ريال سعودي لتحقيق مطالب السعوديين. وهي خطوة استباقية هدأت بعض النفوس إذ ستتبعها خطوات أخرى مهمة لترسيخ الأمن والاستقرار في المملكة. ولا يخفى على أحد اهتمام دول الخليج بما يحدث هناك، فالارتباط العضوي بين هذه الدول يجعل أنظار الخليجيين تتجه نحو الرياض وتترقب ما يجري هناك. وما يحدث في البحرين أيضاً يؤثر بشكل أو بآخر على دول الخليج، الأمر الذي دفع بهذه الأخيرة إلى إرسال قوات من درع الجزيرة لحفظ الاستقرار في هذا البلد الخليجي الشقيق. فالوضع في البحرين يتطلب موقفاً خليجياً موحداً كهذا، ويتطلب حماية المواطنين الآمنين والحفاظ على منجزات البحرين، وعدم السماح لفئة صغيرة بزعزعة استقرار المنطقة، بسبب تطلعات ضيقة لا تخدم إلا فئة صغيرة على حساب فئات أخرى في المجتمع. إن الموقف الخليجي الموحد يؤكد من جديد تلاحم دول مجلس التعاون وشعورها بالمصير المشترك، كما يؤكد عدم ترددها في دعم استقرار أمنها المحلي والإقليمي. وما الخطوة الخليجية في الأسبوع الماضي بإنشاء صندوق دعم لسلطنة عمان ومملكة البحرين بقيمة 20 مليار دولار إلا دليل آخر على التلاحم الخليجي. لا أحد يلوم الشعوب العربية على المطالبة بحقوقها المشروعة، لكن في نفس الوقت على من يطالب بحقوقه أن يفعل ذلك بأسلوب سلمي ومتحضر. فمن المهم جداً عدم الخروج على النص، لاسيما في دولة محورية لن تتحمل دول المنطقة ولن يتحمل العالم أي محاولة لإحداث اضطراب فيها قد تؤثر على الاقتصاد العالمي، كونها أكبر منتج للنفط في العالم. وفي البحرين خرج البعض عن سلميتهم ففشلوا في إقناع العالم بأن مطالبهم وطنية ومن أجل حقوق مشروعة، بل بدا واضحاً خلال الأيام الأخيرة أن ما يقومون به هو ثورة تخريبية. فهم لم يفهموا الرسائل الكثيرة التي وجهت إليهم من الداخل والخارج وخلاصتها أنه لا أحد يقبل بذلك في منطقة الخليج العربي. كما أن دول الخليج لن تقبل بتكرار التجربة العراقية في الإقليم، ولن تقف مكتوفة الأيدي تتفرج على من يدعون شيئاً ويفعلون أشياء أخرى سعياً لأهداف "غير مشروعة". الحكومات التي تحافظ على الهدوء والسكينة في بلدانها، من خلال التجاوب مع المطالب الشعبية ومن خلال قرارات استباقية، هي حكومات تفهم شعوبها. فما يحدث في بعض الدول العربية اليوم هو أن الجماهير تخرج من أجل الحصول على الوظيفة ولقمة العيش ولا تعود إلا وقد تحولت نحو المطالبة بإسقاط النظام! فلماذا يحدث ذلك؟ وماذا يحدث منذ خروج الناس رافعين مطالب معيشية إلى أن يطالبوا بإسقاط الحكومات؟! ما يحدث أن بعض الأنظمة لا تستوعب مطالبات الشارع البسيطة، فتتعامل بطريقة لا تتناسب وتلك المطالب ولا تتجاوب معها. وقبل ذلك، وهذا هو الأهم، أن بعض الحكومات العربية ظلت لسنوات لا تعرف نبض الشارع، فكانت لديها فكرة ما عن الشارع، لكنها اكتشفت من خلال الأحداث الأخيرة أن نبض الشارع مختلف عما تعرفه وأنها مغيبة عما يريده الشعب. هذا بالطبع إضافة إلى أن أغلب الدول العربية تفتقد إلى استطلاعات الرأي حول القضايا التي تهم الشعب والتي من شأنها إيضاح آراء الشارع وتوجهاته. لقد ظل المواطن في كثير من الدول العربية في آخر سلم اهتمامات السّلطات وظلت الحكومات تجهل احتياجاته وتطلعاته، فسارت في اتجاه والشعب في اتجاه آخر.