يكافح قطاع الطاقة النووية الأميركي، الذي بات يواجه اليوم تخوفات تتعلق بالأمان والكلفة، من أجل العودة إلى الواجهة منذ عقود؛ لكن إعادة إحياء هذا القطاع قد تضطر للانتظار لفترة أطول بعد أن سلطت الأضرار التي لحقت بمفاعل في شمال اليابان نتيجة الزلزال الضوءَ على المخاطر الممكنة لاستعمال الطاقة النووية. التوقيت صعب بالنسبة للقطاع، الذي حظي مؤخراً بدعم أكبر في واشنطن منه في "وول ستريت". فأوباما إضافة إلى الزعماء "الجمهوريين" في الكونجرس يرغبون في إقراض القطاع مليارات الدولارات من أموال دافعي الضرائب الإضافية من أجل المساعدة على تمويل بناء محطات نووية جديدة. بل حتى إن بعض نشطاء البيئة بدؤوا يحتضنون الطاقة النووية عقب التسرب النفطي الذي وقع الصيف الماضي في خليج المكسيك ووسط تخوفات بشأن ارتفاع حرارة الأرض. غير أن البنوك والمستثمرين قلقون لأن المحطات النووية أعلى كلفة وأكثر خطراً من أن تموَّل. كما أن الأزمة التي ألمت باليابان يمكن أن تؤدي إلى نسف الدعم السياسي للطاقة النووية، أو على الأقل التخفيف منه، ولاسيما في هذا الوقت الذي يحتاج فيه القطاع لكل الدعم المالي الذي يمكن أن يحصل عليه من الحكومة. وفي هذا السياق، يقول "بيتر برادفورد"، المفوض السابق للجنة التنظيمية النووية الأميركية: "الواقع أن النهضة النووية في الولايات المتحدة كانت في حالة صعبة في جميع الأحوال"، مضيفاً "مستحيل أن يكون هذا الأمر إيجابياً بالنسبة لتكنولوجيا تعتمد بالكامل على الدعم السياسي". وتظل الكلفة أكبر عقبة أمام أي جهود لإعادة إحياء الطاقة النووية؛ ذلك أنه لا بد من مليارات الدولارات من أجل إنشاء محطة واحدة؛ والمقرضون يتخوفون من تمويل مشاريع بسبب تاريخ من المشاريع غير المكتملة، والميزانيات المضخمة، والشركات المفلسة. وعلاوة على ذلك، فإن الزخم قد تباطأ لعودة قطاع الطاقة النووية إلى الواجهة أيضا لأن مصادر الطاقة الأخرى تظل أخفض كلفة. فالغاز الطبيعي رخيص، ولاسيما في ظل توسيع الإمدادات من الصخور الزيتية؛ وليس ثمة أي إجراء تشريعي بعد يستهدف فرض ضرائب على انبعاثات الكربون. وقد اعتبر ممثلون عن قطاع الطاقة النووية يوم السبت الماضي أن الوقت مازال مبكراً جداً لمعرفة التأثير الذي يمكن أن تتركه الكارثة في اليابان على السياسة الأميركية. وفي هذا الإطار، قال "أليكس فلينت"، نائب الرئيس للشؤون الحكومية في معهد الطاقة النووية، وهو منظمة تدافع عن مصالح القطاع: "من الصعب جداً معرفة الاستنتاجات التي ينبغي استخلاصها قبل أن نعرف بالضبط ما حدث في المفاعلات النووية (اليابانية)". وكان أوباما قد تعهد قبل نحو عام بتوفير أكثر من 8 مليارات دولار من ضمانات القروض الإضافية لبناء أول محطة نووية في الولايات المتحدة منذ ثلاثة عقود تقريباً. كما قام الرئيسُ أيضاً بالترويج لإمكانيات الطاقة النووية في خطابين حول حالة الاتحاد. وتعليقاً على هذا الموضوع قال فلينت: "إنه يدعم (القطاع) على غرار أي إدارة خلال السنوات القريبة". غير أنه في يوم السبت أعلن البيت الأبيض أنه يدعم تطوير سلسلة من مصادر الطاقة، والطاقة النووية ليست سوى واحدة منها؛ حيث قال "كلارك ستيفنس"، المتحدث باسم البيت الأبيض: "إن الرئيس يرى أن علينا أن نواصل تنويع إمدادات الطاقة في بلدنا، ويشمل ذلك التركيز على مصادر الطاقة النظيفة من مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والشمس، إلى الغاز الطبيعي، والفحم النظيف، والطاقة النووية"، مضيفاً "إن الإدارة ملتزمة بضمان أن يتم إنتاج الطاقة النووية على نحو آمن ومسؤول، وستواصل إدخال أفضل الممارسات والدروس المستفادة إلى تلك العملية". وفي هذه الأثناء، أرسلت سيطرةُ الجمهوريين على مجلس النواب العام الماضي أحدَ أكبر داعمي قطاع الطاقة النووية، النائب فريد أبتون (الجمهوري عن ميتشيجن)، إلى منصب رئيس لجنة الطاقة والتجارة. وقال "أبتون" في بيان يوم السبت: "إن تفاصيل هذه المأساة مازالت تتواتر"، مضيفاً "إن رئيس اللجنة التنظيمية النووية يرتقب أن يدلي بشهادته أمام لجنة الطاقة والتجارة الأسبوع المقبل، وسنغتنم هذه الفرصة لبحث ما تسنت معرفته في هذه المرحلة بخصوص الأضرار التي لحقت بالمنشآت النووية اليابانية، وإعادة التأكيد على التزامنا الثابت بسلامة المواقع النووية الأميركية". والجدير بالذكر أن الزخم لقطاع الطاقة النووية قد ازداد عقب تمرير قانون سياسة الطاقة في 2005، والذي شمل أشكالاً من الدعم للطاقة النووية. فمن بين المفاعلات الـ65 التي يتم إنشاؤها على الصعيد العالمي، هناك ثلاثة منها توجد في الولايات المتحدة، حسب معهد الطاقة النووية. ويقدر "فلينت" أنه بحلول 2020، ستكون أربعة إلى ثمانية مفاعلات جديدة قد دخلت الخدمة، علما بأن الطاقة النووية تشكل 20 في المئة من كهرباء الولايات المتحدة، مقارنة مع 30 في المئة في اليابان. وخلافاً لأزمات سابقة مثل جزيرة "ثري مايل" و"تشرنوبل"، والتي لم تكن تعزى لكوارث طبيعية، فإن المشاكل في المفاعلات النووية في اليابان نتجت عن زلزال تسبب في قطع إمدادات التيار الكهربائي عن أنظمة التبريد في المفاعلات. ونتيجة لذلك، قال بعض الخبراء إن مفاعلين في كاليفورنيا يقعان قرب خطوط التصدع يمكن أن يخضعا لمزيد من الفحص والتدقيق، علماً بأن كلا المفاعلين خضعا لتدقيق من قبل اللجنة التنظيمية النووية، من أجل التأكد من قدرتهما على تحمل الزلازل وموجات التسونامي. جيا لين يانج كاتبة متخصصة في قضايا الطاقة ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس"