لا ريب أن ما يحدث راهناً في العالم العربي يمثل -على الأقل في نسبة معينة منه- حالة جديدة جديرة بالبحث والتقصي. ويأتي ذلك لسببين اثنين، واحد يتصل بالوجه المعرفي، الذي نتلمَّس من خلاله ما تمّ ويتم من تحولات جديدة، أو أخرى تمثل امتداداً لتحولات سابقة، أو -وهذا احتمال وارد- صيغة كاذبة بالاعتبار المعرفي التأسيسي (الإبيستيمولوجي). أما السبب الثاني فيتلخص في حاجات وبواعث علمية تقتضيها عملية التكيف مع المحيط السوسيوثقافي والاقتصادي والسيكولوجي التربوي وغيره، ناهيك عن التأثيرات الكبرى التي تُحدثها تلك التحولات في العالم، كما تلك التأثيرات العالمية فيها (وبعض هذه ذو أهمية قد تكون خطيرة، مثل التدخل الغربي العسكري في ليبيا، كما في الشرق الأوسط كله...إلخ). وليس خطأ أن يقول البعض، إن البحث العلمي المعمق فيما نحن بصدده قد يكون سابقاً لأوانه، على الأقل لاعتبار أن الظاهرة المعنية هنا لم تكتمل بعد، ولم تبلغ غاياتها الأولية العلمية. لكننا ونحن نعيش الظاهرة إياها (وهي ذات بُعد مفتوح متدفق من عربي إلى آخر، وربما كذلك مفتوح إلى بلدان أخرى من المحيط العربي وما بعده ويقترب منه)، نتبيَّن ضرورة التدخل في تلك الأحداث، خصوصاً حين نأخذ طابعاً مرعباً، مثلاً من نمط حرب أهلية أو حرب طائفية. ومن ثم فنحن نلاحظ أن ثمة ما يدعو إلى التوحيد بين المحاولتين أو الافتراضين كليهما، اللذين أتينا عليهما. لكن المسألة التي نتناولها هنا لا تتنافى مع حدّ أدنى من الجهود المركزة والسريعة، التي ينبغي بذلها في سبيل الاهتمام بتأسيس مركز أو مراكز بحوث ودراسات تكرس إنتاجها -على الأقل- لتوثيق هذا الذي يحدث. ولعلنا لا نشك في أن مثل هذه الخطوة تنال اهتماماً من مرجعية أو أخرى في العالم العربي راهناً، خصوصاً وأن الثورة المعرفية والمعلوماتية المعاصرة يمكن أن تُقدم مساعدة جُلِّى للقيام بالمهمة المذكورة. وربما كان مناسباً أن نقدم اقتراحاً بأن يقوم مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية بذلك. لقد أضاع العرب، في مختلف بلدانهم، الكثير من هذه الثروة التاريخية التوثيقية، كي تكون حافزاً لضبط هذه المرحلة المعيشة، التي تحمل الكثير من الروافع لإنجاز ذلك. فالكثير من الأحداث العربية، خصوصاً التحول الذي انطلق في عصر النهضة العربي (من أواخر الثامن عشر إلى أواخر التاسع عشر)، ثم ما أتى في إطار النهوض العربي مع مراحل الاستقلالات السياسية العربية، وما أعقبها من تحولات على صعيد إقامة الوحدة بين سوريا ومصر ومستويات عربية أخرى، وأخيراً ما راح يظهر هنا وهناك من تحولات إيجابية، نقول، إن ذلك الكثير من الأحداث العربية لم ينل الأهمية الكافية من المؤسسات العلمية التوثيقية، لأسباب عديدة موضوعية وذاتية. لكن المطلوب راهناً، ونحن نعيش مرحلة مشتعلة بالأحداث أن نهتم بالمسألة المذكورة بوصفها مهمة قومية مركزية تدخل في نطاق التأسيس لمشروع عربي في النهضة والتنوير والديمقراطية والحداثة.