شهدت الأزمة الليبية تصعيداً خطيراً في الأيام الماضية، فقد أطلق العقيد القذافي ترسانته العسكرية لإخماد الثورة الليبية، فالقوات الحكومية الموالية للقذافي شنت هجوماً على الثوار في ثلاثة بلدات: الزاوية، ومصراتة، و"رأس لانوف" مستخدمة ضربات جوية ووابلاً من صواريخ الكاتيوشا وقذائف المدفعية. ووصلت تقديرات أعداد القتلى إلى 6 آلاف منذ بداية المواجهات في 16 فبراير الماضي، مما طرح مسألة التدخل الإنساني الدولي لحماية الشعب الليبي الثائر من بطش النظام. وفي ضوء الانقسام بين الدول دائمة العضوية بالمجلس، حيث تعارض كل من روسيا والصين التدخل العسكري في ليبيا، فيما تؤيد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، فرض الحظر الجوي على ليبيا، ظهرت تسريبات إعلامية تتحدث عن دور محتمل لحلف شمالي الأطلسي في الملف الليبي، فماهي الخيارات المطروحة دولياً وعربياً للتعاطي مع الأزمة الليبية؟ وهل يمكن الاستناد إلى الأوضاع الإنسانية للشعب الليبي للتدخل في غياب قرار دولي صريح؟ عربياً أعلن وزراء خارجية دول مجلس التعاون بأن ما يجري "يشكل انتهاكاً خطيراً لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي." كما طلب الوزراء من مجلس الأمن الدولي "اتخاذ الإجراءات الكفيلة لحماية المدنيين، بما في ذلك الحظر الجوي على ليبيا". وتلا هذا الموقف إعلان لمنظمة المؤتمر الإسلامي، أن "المنظمة تضم صوتها إلى صوت من طالبوا بفرض حظر جوي على ليبيا، بغية حماية المدنيين من غارات الطائرات عليهم"، مطالباً مجلس الأمن الدولي بتحمل مسؤولياته في هذا الصدد. وفي الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب وافقوا على دعوة مجلس الأمن الدولي إلى فرض حظر جوي على ليبيا، وعلى فتح قنوات اتصال مع المجلس الوطني الانتقالي المعارض، فيما رفضت كل من سوريا والجزائر مسألة فرض الحظر الجوي باعتباره قراراً يتعارض مع صلاحيات واختصاصات المنظمات الإقليمية'، حسب تصريح لمسؤول جزائري. الولايات المتحدة لازالت تدرس خيارات التحرك تجاه ليبيا، وقد تزايدت الدعوات في مجلس الشيوخ لخلق "منطقة حظر طيران" إضافة الى دعم المعارضة الليبية بالتدريب والأسلحة والمعلومات الاستخباراتية. في المقابل حذر القادة العسكريون من تداعيات دخول الولايات المتحدة حرباً جديدة لبلد مسلم، وحتى لو كان لدعم ثورة شعبية، في الوقت الذي لاتزال فيه قواتها في العراق وأفغانستان، فيما أكدت وزيرة الخارجية الأميركية ضرورة حصول إجماع دولي قائلة "إننا نعتقد أن من المهم ألا يكون فرض الحظر الجوي على ليبيا جهداً أميركياً أو لحلف شمال الأطلسي أو أوروبياً، بل يجب أن يكون جهداً دولياً". فيما أكد الأمين العام لحلف شمالي الأطلسي، أن أي تدخل عسكري ضد النظام الليبي يجب أن يكون على أسس قانونية ويحصل على تأييد من المنطقة. يثار على الدوام جدل قانوني سياسي واسع بين مؤيدي التدخل الإنساني ومعارضيه، فالمؤيدون يركزون عموماً على الالتزامات الأخلاقية للمجتمع الدولي، متجاهلين المآزق والأخطار والتكاليف التي تصاحبه، ولا يأخذون في الاعتبار ما يمثله هذا الاتجاه من معارضة لمبادئ القانون الدولي، مثل مبدأ السيادة ومبادئ عدم التدخل الواردة في ميثاق الأمم المتحدة. ويقول المفكر الأميركي نعوم تشومسكي إن التزام المجتمع الدولي بالتدخل أينما تتواجد دولة تفشل في تلبية الاحتياجات الإنسانية لشعبها، لا يمكن تنفيذه بصورة ملائمة نظراً لأنه يعني التدخل في كل حرب أهلية، وفي كل دولة ذات نظام قمعي، وهذا يتطلب موارد تفوق المتاح، ومن ثم فالتدخل يكون انتقائياً بحسب وجود مصالح. والحق في التدخل الإنساني هو ما ادعته الولايات المتحدة و"الناتو" بمسألة التدخل في إقليم كوسوفو دون موافقة مجلس الأمن. وهكذا، فإن التوسل بحق "التدخل الإنساني" لحلف "الناتو" في الحالة الليبية خارج نطاق مجلس الأمن، يواجه بصعوبات قانونية.