عودة ملفتة للدبلوماسية الفرنسية... وترحيب بالإصلاحات الدستورية المغربية تراجع شعبية اليسار الفرنسي في استطلاعات الرأي، ودبلوماسية باريس الحازمة تجاه الأزمة الليبية، وترحيب بنوايا الإصلاحات الدستورية الواسعة في المغرب، موضوعات استقطبت اهتمام الصحف الفرنسية. مأزق الحزب الاشتراكي في صحيفة لوفيغارو اعتبر الكاتب "إيفان ريوفول" أن ما أشارت إليه استطلاعات الرأي الأخيرة من ارتفاع شعبية مارين لوبن زعيمة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف، واحتمال وصولها إلى الدور الثاني في رئاسيات العام المقبل، جدير بأن يقرع أجراس الخطر في صفوف الحزب الاشتراكي، أكبر أحزاب اليسار الفرنسي. ولاشك أن صعود مارين الراهن وتعاظم حظوظها السياسية دليل على انفجار فقاعة "دومينيك ستروس كان" مدير صندوق النقد الدولي، الذي اشتغلت آلة الدعاية الإعلامية اليسارية خلال الأشهر الأخيرة لتلميع صورته كمرشح اشتراكي محتمل لرئاسيات 2012. وقد أشار استطلاع رأي أجري خلال هذا الأسبوع إلى ارتفاع ملحوظ في شعبية مارين، مقابل تراجع فرص الاشتراكيين وساركوزي، على حد سواء. والنتيجة الوحيدة الممكن استخلاصها من هذا الواقع السياسي الجديد هي أن الحزب الاشتراكي يواجه اليوم مأزقاً حقيقيّاً، فبعد تسع سنوات من الانتظار على مقاعد المعارضة، وعلى رغم حملاته المحمومة ضد ساركوزي، يبقى غير قادر على استعادة عافيته السياسية، كما يفتقر بشكل لا لبس فيه إلى أية مبادرة جادة قادرة على استقطاب اهتمام الفرنسيين. وأسوأ من هذا أن الشعب لم يعد يبدي أية رغبة في الاستماع إلى دعاوى الاشتراكيين، والدليل على ذلك هو ما أدت إليه استطلاعات الرأي، التي لم ينتقدوها للمفارقة إلى الآن بعدما أفصحت لهم بالحقيقة المرة، يقول الكاتب. وليست هذه هي مشكلة المعارضة الوحيدة، فمشكلتها الأكبر هي أنها تبدو غير قادرة عمليّاً، وثقافيّاً، على اللعب بأية ورقة سوى الحديث المكرور عن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، التي لا تملك، مع ذلك، من المقاربات إزاءها سوى اجترار الهجاء التقليدي لليبرالية، التي تحملها مسؤولية الأزمة، في حين أن العكس هو الصحيح، حيث إن السياسات التدخلية -غير الليبرالية- هي التي أغرقت أوروبا كلها الآن في طوفان الديون العامة، ما أدى إلى نشوب واستدامة الأزمة الاقتصادية الفرنسية- الأوروبية. وبالعودة إلى مؤدى الاستطلاعات بشأن رئاسيات العام المقبل يتوقع الكاتب ألا يفوز الحزب الاشتراكي بها إلا في حال إقصاء ساركوزي من الشوط الأول وبقاء مرشح الاشتراكيين في الشوط الثاني مع زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن. وفي السياق ذاته في افتتاحية لصحيفة ليبراسيون ذهب الكاتب "نيكولا ديموران" إلى أن الاشتراكيين ضيعوا على أنفسهم عقداً كاملاً من الزمن. فبعد قرابة عقد من الخسارة المذلة في الشوط الأول من رئاسيات 2002 ما زال اليسار عاجزاً بشكل فاضح عن إعادة نسج الصلات مع الطبقة الشعبية الفرنسية. ومن المعروف في ذلك العام أن شرائح واسعة من ناخبي اليسار اختارت التصويت لصالح مرشح اليمين المتطرف جان ماري لوبن، الذي وصل حينها إلى الشوط الثاني، كما عاودت تلك الشرائح عادة الترحال السياسي عن المعارضة مجدداً في رئاسيات 2007 ولكن لتصوت لصالح ساركوزي هذه المرة. أما في رئاسيات 2012 فلا يوجد حتى الآن أي مؤشر إلى أن الفئات الأكثر هشاشة من الطبقة الوسطى الفرنسية ستجازف بالتصويت لصالح المعارضة. بل على العكس يوجد اليوم أكثر من داعٍ للاعتقاد بأن مارين لوبن هي من يستقطب الاهتمام. وفي مواجهة هذا المأزق لا يملك الاشتراكيون بزعامة "مارتين أوبيري" سوى المناورة بالحديث عن قضايا الهوية والأمة والعلمانية، وغير ذلك من الموضوعات المبتذلة التي كدرتها خطابة ساركوزي الدائمة حولها، وهي موضوعات ذات آثار عكسية لما يرتبط بها من شبهات الانعزالية وكراهية الأجانب، وسوى ذلك من دواعي تمزيق النسيج السكاني للمجتمع الفرنسي، وهي أيضاً القضايا ذاتها التي تدفع بالجبهة الوطنية، للمفارقة، إلى صلب السجال السياسي. والحاصل، ونحن على بعد 14 شهراً فقط من الاستحقاق الرئاسي أن المعارضة الاشتراكية تبدو غير جاهزة. العودة الدبلوماسية الكاتب بيير روسلين تحدث في افتتاحية لصحيفة لوفيغارو نشرها تحت عنوان "ليبيا: عودة الدبلوماسية الفرنسية" عن خلفيات ودلالات موقف باريس القوي والحازم تجاه الأزمة الليبية. واعتبر الكاتب أن الدبلوماسية الفرنسية منذ استلام "آلان جوبيه" مؤخراً لحقيبة الخارجية قد أخذت نفَساً جديداً، لا تخطئه الملاحظة. فبعد إخفاقها الذريع حين سبقتها الأحداث وأخذتها على حين غرة أثناء أطوار سقوط نظامي بن علي في تونس ومبارك في مصر، ها هي فرنسا الآن تمسك بزمام المبادرة في التعامل مع الأزمة المندلعة في ليبيا، وقد كانت البداية بإرسال بعثة إنسانية إلى بنغازي، فيما تتواصل الجهود بحشد وتعبئة الموقف الدولي، وتبني مواقف طابعها العام المبادرة والمبادأة. وأخذاً بمبدأ "حق الحماية" الذي أقرته الأمم المتحدة في سنة 2005، تحركت باريس من أجل حشد الدعم لتدخل محتمل لفرض حظر جوي على ليبيا، حتى لا تستمر طائرات القذافي في القصف. ولاشك أن هذه عملية ثقيلة ولا يمكن أن تمر إلا عبر شرعية متأسسة على ترخيص من مجلس الأمن الدولي ودعم عربي. ويختلف هنا الموقف الفرنسي عن الأميركي في أنه يفضل عدم ضلوع الحلف الأطلسي في العملية. والصورة العامة للمشهد هي أنه في مقابل تردد أوباما تجاه ما يتعين اتخاذه من تدابير، وإزاء انقسام الموقف الأوروبي، تجد فرنسا الفرصة للعب دور المحرك الفعلي في هذا الموضوع المصيري الذي ما زال الآن في أطواره الأولية. وفي سياق متصل انتقدت صحيفة لوموند الطريقة التي تدير بها باريس الجهود في مواجهة الأزمة الليبية، وخاصة لجهة أحادية مواقف باريس بمعزل عن بقية شركائها الأوروبيين، ففي وقت كان فيه العمل جاريّاً لعقد لقاء أوروبي بهذا الشأن فاجأت باريس شركاءها بالاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي باعتباره ممثلاً شرعيّاً ووحيداً لبلاده، في حين كان يتعين عدم لعب دور الفارس الوحيد والتنسيق مع الشركاء للتوافق على موقف جماعي. وقد بدا الموقف الفرنسي كما لو كان سباقاً من أجل إظهار أكثر المواقف مناهضة للقذافي، وهذه مفارقة، خاصة أن فرنسا التي تدافع الآن عن قضية الموقف الصحيح تجاه ما يجري في ليبيا. كما كان من اللازم التروي قبل الحديث عن تدخل عسكري حتى يصدر تفويض بذلك من مجلس الأمن، وكان يتعين التروي أيضاً لإقناع الشركاء الأوروبيين المترددين، خاصة ألمانيا، قبل رفع سقف المواقف إلى هذه الدرجة. المغرب على الطريق الصحيح تحت هذا العنوان نشرت لوفيغارو افتتاحية أشاد كاتبها بالإصلاحات الدستورية الواسعة التي أعلن عنها ملك المغرب محمد السادس، يوم الأربعاء الماضي، قائلاً إن هذه الخطوة تظهر أن المغرب يريد أن يبقى نموذجاً في عالم عربي تجتاحه الآن موجة دمقرطة واسعة. والحال أن العاهل المغربي، منذ مجيئه للحكم قبل اثني عشر عاماً، يقول الكاتب، لقي ترحيباً واسعاً باعتباره إصلاحيّاً شجاعاً ومصمماً. وقد مكنت مدونة الأسرة الجديدة التي وضعت في عهده لدعم حقوق النساء، بشكل لا مثيل له في البلدان الإسلامية. ومنذ الآن سينطلق العمل ضمن ورشة إصلاح سياسي، لإعطاء النظام الملكي المغربي جرعة إصلاحات دستورية ذات شأن، ستخلق واقعاً سياسيّاً جديداً في المملكة. فسيتعزز دور البرلمان، كما ستوسع صلاحيات رئيس الحكومة، وسيكون مسؤولاً أمام المشرعين المنتخبين. والآن بالنظر إلى هذه المراجعة الدستورية الواسعة يكون العاهل المغربي قد سبق بخطوات أية مطالبات سياسية، تدفع إليها حالة الحراك والاحتجاج الواسعة في العالم العربي. هذا مع أن حالة المغرب تبقى خاصة، وضعاً في الاعتبار الشرعية الواسعة التي يتمتع بها النظام السياسي، وهو ما جعل الانفتاح السياسي أسهل مقارنة مع بعض البلدان المجاورة الأخرى، يقول الكاتب. إعداد: حسن ولد المختار