استمرت موجة المطالبات العربية بالتغيير والثورة، بينما جاءت المطالبات الشعبية الخليجية مكتفية بالإصلاح فحسب. وما يهمنا هنا أن الاحتجاجات الخليجية لا تزال حتى اليوم تتركز على المطالبة بالإصلاح والتطوير دون الوصول إلى المطالبة بتغييرات جذرية. فهل تستمر هذه المطالبات سلمية أم أن هناك مؤشرات وبوادر للتطرف ولخلق مشكلات لا تتحملها دول المنطقة؟ ذكرت في مقال الأسبوع الماضي أن دول الخليج ليست محصنة من رياح التغيير التي تعصف بالمنطقة العربية، رغم محاولة البعض التأكيد على أن بلدانهم تختلف عن مصر وتونس، وأن ما حصل ويحصل في البلدان العربية الأخرى لن يحدث مثله لديهم. إن بروز الخلاف الطائفي في بعض الدول الخليجية مؤشر يدل على إهمال موضوع الأقليات لفترة طويلة، كما يشير إلى وجود تمزقات في أنحاء من النسيج الاجتماعي لبعض مجتمعاتنا. اليوم، وبعد اندلاع الثورات الشبابية المطالبة بالتغيير والإصلاح، لم يعد مقبولاً إخفاء مشاكلنا وتجاهلها... فثقافة نفي الحقائق أمر غير مقبول في عصر الإنترنت والتويتر والفيسبوك. وتعامل بعض الدول الخليجية مع المسألة الطائفية بعيداً عن المفهوم الوطني، أدى إلى توتر الأوضاع في بعضها، ونحمد الله أن "حركة الوفاق الوطني" البحرينية المعتدلة أكدت أنها لا تريد أن يكون للشيعي ولاء سياسي خارج إطار البحرين، وأن الشيعة يأخذون قراراتهم انطلاقاً من كونهم مواطنين فقط. وقد اتفقت الجمعيات السنية والشيعية في البحرين على تهدئة الاحتقان الطائفي. لكن ما يخيفنا فعلاً هو بروز حركات سياسية متطرفة تحاول تصعيد وتأزيم الأوضاع. فقد أعلنت ثلاث جمعيات شيعية عن تشكيل تحالفٍ "من أجل الجمهورية"، لكن هذه الأقلية المتطرفة سيرفضها الشيعة قبل السنة لأن منطلقها طائفي بعيد عن روح الوطنية. وفي الكويت أصدر تجمع "ثوابت الشيعة" بياناً يقولون فيه "إن التعامل الراقي من قبل وزارة الداخلية مع تجمهر يوم 8-3-2011 يشجع على الخروج للمطالبة بالحقوق المنقوصة لشيعة الكويت، كالنقص الكبير في عدد قضاة الجعفرية، ووجود جهات شبه محظور توظف أبناء الطائفة فيها، ومراعاة نسبة الشيعة في توزيع الوزارة والوكلاء، وعدم دخول بعض علماء الشيعة إلى البلاد، وغيرها من الحقوق". لكن هذه المطالب كان يمكن طرحها في مجلس الأمة، حيث يشكل النواب الشيعة أكبر التجمعات (8 نواب)، وعلاقتهم بالحكومة ممتازة، ولديهم وزيران فيها... إذن لماذا محاولة إثارة الشارع وتسيير المظاهرات؟ خشيتنا مصدرها أن بعض المتطرفين الطائفيين لديهم أجندتهم الخاصة المرفوضة من أغلبية الشيعة في الكويت. وفي السعودية ظهر في القطيف من يطالب بإطلاق سراح المعتقلين وتحسين أوضاع الشيعة، كما طالب بعض الأكاديميين السعوديين في بيان لهم بالإصلاح وببرلمان منتخب وليس معيناً. وأخيراً نأمل أن لا تلجأ حكومات الخليج إلى استعمال العنف في التعامل مع المطالب الشعبية، خصوصاً في قضايا الأقليات، فالسبب الرئيسي في كل ذلك يعود إلى إخفاقات التحديث في هذه البلدان، وهذا بدوره حال دون قيام مجتمع المواطنة الواحدة. فتعزيز الانتماء الوطني يأتي فقط من خلال إدماج كل الفئات والجماعات في أطر جامعة تحقق مبدأ الحقوق المتساوية للأفراد أمام القانون والمشاركة في التوزيع العادل للثروة الوطنية.