منذ اندلاع الأحداث المروعة في ليبيا، عملت المملكة المتحدة على إدانة الأعمال المرتكبة من قبل نظام القذافي، وقد تعاظمت مخاوفنا في الأيام الماضية في ظل تزايد الضغط الدولي الممارس على القذافي ومن حوله. إن نظام القذافي يعمل على شن هجمات عسكرية ضد قوات المعارضة. وهناك تقارير ذات مصداقية تؤكد قصف المدنيين باستخدام طائرات مروحية تابعة للقوات الحكومية، إضافة إلى شن اعتداءات خطيرة ضد مدينتي الزاوية ومصراته في الغرب، والكثير ممن نقلوا إلى مستشفى المدينة كانوا مصابين في مناطق الرأس والعنق والصدر، كما أن إمدادات الغذاء والوقود والأدوية باتت شبه منقطعة. أما في طرابلس فهناك أنباء مقلقة حول اختطاف رهائن... إلا أن سلطة القذافي تواجه تحدياً كبيراً في مناطق واسعة من ليبيا حيث تراجعت القبائل المحلية عن دعمها له. إن موقفنا واضح ويتمثل بضرورة وضع العقيد القذافي نهاية فورية لاستخدام القوة المسلحة ضد المدنيين، وتسليم السلطة دون أي تأخير لحكومة تحترم تطلعات الشعب الليبي وتكون ممثلة لمختلف أطرافه وتخضع للمحاسبة والمساءلة. وتتعاون المملكة المتحدة مع دول أخرى لعزل النظام الليبي وضمان أن يعلم كل مسؤول فيه عن أي انتهاكات، بأنه سيحاسب يوماً عن أعماله. والعمل الذي يقوم به المجتمع الدولي في هذا الخصوص لا سابق له. لقد أعلن مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية الأسبوع الماضي عن مضيه في التحقيق بجرائم يعتقد أنها ارتكبت أو ترتكب في ليبيا، وذلك بعد أن أحال مجلس الأمن الدولي الأمر إلى المحكمة. إننا نرحب بهذا الإجراء السريع، ولسوف نبذل كل ما بوسعنا لتقديم المساعدة. كما نرحب بالقرار المهم الذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة، بعد إحالة مجلس حقوق الإنسان الأمر إليها، بتعليق عضوية ليبيا في المجلس. وقد دخلت العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي ضد ليبيا حيز النفاذ يوم الخميس الماضي. وكان ذلك أسرع تنفيذ لحزمة عقوبات يفرضها الاتحاد، وهي تتجاوز العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة، وتتضمن حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا، وتجميد أصول وحسابات القذافي و25 من مقربيه، ومنع إصدار تأشيرات لهم، وهذه أسس قوية يمكننا البناء عليها. إننا بصدد وضع خطط طوارئ لمواجهة كافة الاحتمالات في ليبيا، فقد جرى تكليف حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالنظر في عدد من الخيارات، بما فيها تشكيل منطقة حظر جوي، وإخلاء المدنيين، وتقديم مساعدات إنسانية دولية، ومساندة الحظر الدولي على تصدير الأسلحة لليبيا. وسيعقد "الناتو" مزيداً من الاجتماعات خلال الأسبوع الجاري. أما على مستوى مجلس الأمن الدولي فالتعاون وثيق مع الشركاء لصياغة عناصر قرار يقضي بفرض منطقة حظر جوي، مع العلم بأهمية دعم واضح من المنطقة ووجود سبب معلن وأساس قانوني مناسب لاتخاذ القرار المذكور. وفي النهاية من الضروري مواصلة معالجتنا لتطورات الوضع الإنساني، حيث أرسلت المملكة المتحدة بطانيات تكفي 38,000 شخص وخيما لإيواء أكثر من 10,000 شخص، إضافة إلى ذلك إرسالنا طائرات لإخلاء 6 آلاف مواطن مصري و500 مواطن بنغالي انقطعت بهم السبل على الحدود. وما زالت هذه حالة لوجستية طارئة، لكن من الضروري السماح للهيئات الدولية بالدخول من دون عراقيل للمساعدة في الحد من تدهور الأوضاع كي لا تصل إلى كارثة إنسانية. لقد دعت البارونة آموس، بدعم منا، إلى عقد جلسة خاصة في جنيف للمطالبة بالسماح لهيئات الإغاثة الإنسانية بدخول ليبيا دون عراقيل. ومن الضروري أن يدفع الاتحاد الأوروبي -ليس فقط للضغط باتجاه اتخاذ مزيد من الإجراءات رداً على الأوضاع في ليبيا- بل أيضاً تغيير الاتحاد الأوروبي تفكيره بشكل جذري تجاه الدول المجاورة. لقد آن الأوان للدول الأوروبية أن تكون أكثر وضوحاً وطموحاً، وأن تبين بأننا لا نسعى كي نملي على هذه الدول كيفية إدارة شؤونها الداخلية، بل سنبقى صديقاً دائماً للدول التي تضع لبنات بناء مجتمعات مدنية، وتحقيق الانفتاح الاقتصادي، وتوفير الحريات السياسية. وعلينا تقديم كل حافز ممكن لدول المنطقة لاتخاذ قراراتها الرامية إلى تعزيز الحرية وتحقيق الازدهار. وسنطالب خلال اجتماع المجلس الأوروبي بأن تضع أوروبا برنامجاً يزيل العوائق أمام التجارة، وتحدد شروطاً أكثر وضوحاً في مقابل المساعدات التي تقدمها، وأن تعمل على حشد مواردها لتكون بمثابة عامل جاذب للتغيير الإيجابي في المنطقة. إن الأحداث التي شهدتها مصر وتونس كانت تاريخية، وعلينا الترحيب بالتطور الذي حصل فيهما، بما في ذلك الإعلان عن إجراء استفتاء عام على إصلاح دستوري في مصر، وإعلان موعد الانتخابات في تونس. إلا أن استقالة رئيسي الحكومتين في كل من مصر وتونس يظهر أن تحديات كبيرة ما زالت تكمن على الطريق. إن المملكة المتحدة ستستمر في مطالبة كافة الحكومات في أرجاء المنطقة كلها باحترام حقوق الإنسان، ومنها الحق في الاحتجاج السلمي، وتجنب استعمال القوة، والاستجابة للتطلعات المشروعة نحو مزيد من الانفتاح السياسي والإصلاح الاقتصادي. وإذا أمكن تحقيق التغيير والتنمية في الشرق الأوسط بشكل سلمي، فسيكون هذا أعظم تقدم في الشؤون العالمية منذ التغير الجذري الذي عرفه وسط وشرق أوروبا قبل عشرين عاماً، حيث دخل الكثير من دول المنطقتين في عضوية الاتحاد الأوروبي. وفي حال لم تتحقق المطالبة المذكورة فمن شأن ذلك أن يؤذن ببداية مرحلة أكبر من عدم الاستقرار في المنطقة. ومن الحيوي لشعوب هذه الدول ودول سائر العالم أن تلعب الأسرة الدولية دوراً منسقاً وطموحاً في دعم تطلعاتها.