يعتبر توافر البيانات والمعلومات المتكاملة والمدققة أحد الأسس التي تنبني عليها المنهجيات السليمة لاتخاذ القرارات، سواء على مستوى المؤسسات الحكومية أو المؤسسات الخاصة أو حتى على مستوى الحياة اليومية للأفراد العاديين، ولذلك فإن تأسيس بيئة أعمال وطنية على قدر كبير من الشفافية والحوكمة والتنظيم بما يساعد على توفير هذه المعلومات والبيانات يعدّ إحدى الغايات الرئيسية التي تسعى الدول إلى إدراكها، عبر تأسيس كيانات ومؤسسات مستقلة ومتخصّصة بصنع البيانات والمعلومات، وتوفير الوسائط اللازمة لتحقيق السيولة في تدفق هذه البيانات والمعلومات وانتقالها من المؤسسات المنتجة لها من ناحية إلى المستفيدين منها من ناحية أخرى في الوقت المناسب وبالطريقة الملائمة والمساعدة لهم على اتخاذ قراراتهم على النحو الملائم بما يخدم الصالح العام في النهاية. وفي ظل التطوّر الحادث على المستوى العالمي في مختلف الجوانب بما فيها الجانب المعلوماتي والإحصائي فقد بات توافر الإحصاءات والمعلومات المتكاملة والمنظمة والمدققة أحد أهم المعايير التي ينظر إليها باعتبارها وجهاً من أوجه التقدّم والتنمية المنجزة في كل دولة، وفي إطار الأهداف التنموية التي تسعى دولة الإمارات إلى إدراكها فهي تسعى إلى تطوير بنية إحصائية تلبّي متطلبات هذه التنمية، وتساعد كلاً من المؤسسات الحكومية والخاصة والأفراد من السكان والمستثمرين وكذلك المؤسسات والمنظمات الدولية المهتمّة بالشأن الإماراتي والعالمي على الحصول على الإحصاءات والمعلومات اللازمة. وإن كانت المسؤولية الأولى في ما يتعلّق بتأسيس البنية الإحصائية المتكاملة والمدققة والمحدّثة وبنائها أيضاً في كل دولة تقع على كاهل السلطات الحكومية باعتبارها صانعاً للبيانات، فإن المجتمع بكل مكوّناته من أفراد ومؤسسات يقع عليه نصيب من هذه المسؤوليات أيضاً لاعتبارين مهمين: أولهما، أن هذا المجتمع هو المصدر الأول لهذه البيانات والإحصاءات، الأمر الذي يدعو أفراد المجتمع ومختلف طوائفه إلى الاستجابة الكاملة للمؤسسات المتخصّصة بتجميع البيانات وصناعة الإحصاءات والمعلومات، أما الاعتبار الثاني فهو ينطوي على أن هذا المجتمع بمختلف مكوّناته أيضاً هو المتلقي النهائي لهذه الإحصاءات والمعلومات والمستخدم الرئيسي لها، الأمر الذي يدعو أفراد المجتمع ومؤسساته أيضاً إلى التعاون مع المؤسسات الإحصائية المتخصّصة في مراحل جمع البيانات بأن يلتزموا معايير الشفافية لدى إعلان ما لديهم من بيانات لكي يتسنّى لهذه الجهات بناء قواعدها الإحصائية السليمة والمعبّرة عن حقيقة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الدولة، وهو ما سيعود إليهم في النهاية بصورة إحصاءات ومعلومات مدققة ومحدثة ومتكاملة تساعدهم على اتخاذ القرارات السليمة بما يخدم مصالحهم ويحقق أهداف وطنهم بشكل عام. إن الوصول إلى قناعة مجتمعية بأهميّة التعاون مع المؤسسات الإحصائية في الدولة، واستجابة الأفراد مع تلك المؤسسات والتزامهم معايير الشفافية والإفصاح يحتاج إلى أن تكون هناك قنوات اتصال مستمرة وفاعلة بين تلك المؤسسات من ناحية والمجتمع بفئاته ومؤسساته من ناحية أخرى، بما يوجِد نوعاً من الثقة المتبادلة بين الطرفين، وقد يكون تنفيذ حملات توعية لتعزيز الوعي الإحصائي بالمجتمع إحدى هذه الأدوات، ولعلّ هذا الهدف هو ما تسعى إليه دولة الإمارات في الوقت الحالي، في إطار ما تنظّمه من حملات توعية في هذا الشأن كما هو الحال بالنسبة إلى المبادرة الاستراتيجية التي ينفذها "مركز الإحصاء" في أبوظبي تحت عنوان "تعزيز الوعي الإحصائي" في الوقت الحالي. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.