أيها الطغاة...انتبهوا!. هذا هو الدرس الدراماتيكي الذي يمكن للحكام الذين يحتفظون بسلطاتهم من خلال القهر وليس الديمقراطية استمداده من الاضطرابات الجارية في العالم العربي. في البداية كانت ثورة تونس ضد الديكتاتورية، وبعدها ثورة مصر، وبعد ذلك جاءت الاضطرابات في الجزائر، والأردن، واليمن. وفي ليبيا يقوم ديكتاتور متوهم، ومتحدٍ، باستخدام قواته الجوية ومرتزقته ضد المحتجين على حكمه. والمحصلة النهائية لما يحدث حالياً في الشرق الأوسط ليست واضحة، ولكن طالما أن المنطقة تمر بحالة من التغيير الراديكالي، المدفوع بالتقنية الرقمية، فما الذي يتعين على أميركا عمله؟ على الرغم من أن حقول النفط الليبية تمثل هاجساً رئيسياً للإدارة الأميركية، فإنه يجب أن تمنح الأولوية على قائمة اهتماماتها لمصر، التي تعتبر قلب العالم العربي. بخصوص هذا البلد يجب أن ترفع الولايات المتحدة صوتها دعما للصحافة الحرة، التي تعد بمثابة الأكسيجين للديمقراطية بالإضافة للدعوة لدستور جديد، وانتخابات حرة، وحكومة مستجيبة لنبض الشارع، وقضاء يتمتع بالاستقلال. وإذا طالبت مصر الولايات المتحدة بتقديم يد العون لها من أجل تأسيس بنيتها التحتية للديمقراطية، فيجب على واشنطن أن تقدم لها ما تحتاج إليه بسخاء ودونما ضجيج. وأهم إسهام يمكن للولايات المتحدة تقديمه لمصر في هذه الظروف في نظري هو الضغط بهدوء على المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية للعمل على (حماية) النظام الجديد لا (قيادته). وفي الوقت الذي تستيقظ فيه شعوب الشرق الأوسط، فإن الولايات المتحدة تواجه إشكالية كبيرة: هل تشجع الثورات والانتفاضات الجديدة، وتساعد على تقدمها نحو الديمقراطية، أم تعمل على حماية الأنظمة القائمة التي ارتبطت بها بعلاقة شراكة وثيقة طويلة الأمد - على الرغم من عيوب تلك النظم؟ وهذه الإشكالية تبدت بشكل واضح في موقف الإدارة الأميركية من الثورة المصرية، والذي كان يتبدل من يوم ليوم، بل وربما عدة مرات أثناء اليوم الواحد. لقد كان تاريخ اللولايات المتحدة المبكر تاريخاً من التضحيات من أجل حريتها. أما تاريخها المتأخر فهو تاريخ من التضحيات من أجل حرية الآخرين. ولذلك ليس من المقبول إطلاقاً في الوقت الراهن، أن تخفض الولايات المتحدة نبرة صوتها دفاعاً عن حرية شعوب الشرق الأوسط (أو حرية شعبي كوريا الشمالية والصين اللذين عمل نظاماهما على التغطية على أنباء الثورة التي قامت في مصر)، أو الدفاع عن حرية الشعوب الأخرى، التي تعاني تحت وطأة أنظمة قمعية. وإندونيسيا وهي أكبر دولة مسلمة في العالم - غير عربية - تقدم شهادة واضحة على نجاح الدبلوماسية الأميركية في تحقيق تقدم الشعوب. فتلك الدبلوماسية، لعبت دوراً فعالًا عبر مسيرة هذه الدولة الطويلة من ديكتاتورية سوكارنو، مروراً بديكتاتورية خليفته سوهارتو، التي اتصفت بدرجة هائلة من الفساد ووصولًا إلى حقبة الانتخابات الحرة والزعماء المنتخبين ديمقراطياً نهاية التسعينيات (1999)... وهي الحقبة التي وضعت نهاية لسيطرة الجيش الإندونيسي القوي وتدخلاته في السياسة. خلال تلك المراحل كلها، لم تبخل الولايات المتحدة في تقديم العون الذي كانت تحتاجه إندونيسيا في طريقها للتخلص من ربقة الديكتاتورية، والاستبداد، والفساد، والتطلع لآفاق الحرية والديمقراطية. ومن المهم في هذا السياق الإشارة إلى أنه حتى في الفترات التي اختارت إندونيسيا فيها اتباع سياسة عدم الانحياز، فإن الولايات المتحدة حرصت على الاحتفاظ بعلاقات ودية معها. والمسؤولون الأميركيون يحرصون في كل مناسبة على الإشادة بالتجرية الديمقراطية في إندونيسا. ففي زيارة لها لهذا البلد العام الماضي أدلت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بتصريح امتدحت فيه تجربتها الديمقراطية قالت فيه:"إذا ما أردتم مكانا يتعايش فيه الإسلام، والديمقراطية، والحداثة، وحقوق المرأة.. فإن هذا المكان هو إندونيسيا". وتركيا، وهي أيضا دولة إسلامية ولكن غير عربية، تقدم هي الأخرى نموذجاً ناجحاً لتعايش الإسلام والديمقراطية. وهي دولة ذات جيش هائل، كان يحرص على إبراز عضلاته في الماضي، ولكنه حريص الآن على الابتعاد عن التدخل في السياسة. ويذكر في هذا السياق، أن العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا قد تدهورت عام 2003 إبان غزو العراق، وذلك عندما رفض البرلمان التركي السماح بمرور القوات الأميركية عبر الأراضي التركية لفتح جبهة ثانية في الحرب ضد ذلك البلد. وعندما تولى أوباما الرئاسة في الولايات المتحدة حرص، في وقت مبكر من رئاسته، على القيام بزيارة لتركيا، وتوجيه رسالة تواصل مهمة منها للعالم الإسلامي. ومنذ أن جاء للحكم تحسنت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا لدرجة أنه وصف هذه الدولة منذ فترة بأنها "حليف في غاية الأهمية" للولايات المتحدة. كما كان حريصاً في العديد من المناسبات على التأكيد بأن بلاده "ليست في حرب ضد الإسلام". إن إندونيسيا وتركيا بلدان يمثلان نموذجين بارزين - يجب أن يتطلع إليهما العالم الإسلامي - على إمكانية التعايش بين الإسلام والديمقراطية. إن الشيء الذي نجحت مصر وتونس، وغيرهما من البلدان التي تحتدم فيها الانتفاضات والحركات المنادية بالحرية في إبرازه والتأكيد عليه، هو خطأ النظرية القائلة بأن العرب يمثلون فرعاً من البشرية غير ممسوس بالرغبة في الحرية. ومن هنا، يجب على أوباما، والرؤساء الأميركيين الذين سيأتون بعده، عدم التوقف عن الحديث بشجاعة دفاعاً عن الحرية من أجل بلدان لم تجدها بعد. جون هيوز مساعد وزير الخارجية في إدارة ريجان ينشر بترتيب خاص مع خدمة"كريستيان ساينس مونيتور"