لقد خاض العرب حروباً ضارية لإخراج الاستعمار من بلدانهم تحت شعارات متعددة أبرزها الحرية والعدالة والاستقلال، وكذلك قام العديد من الثورات في بعض البلدان العربية من قبل بعض العسكر رافعين نفس الشعارات: الحرية والعدالة والاستقلال، وصدقت الجماهير العربية هذه الشعارات الجميلة وجندت نفسها ورهنت مستقبلها ومستقبل أجيالها القادمة بهذه الأنظمة، بل وعابت هذه الجماهير على بقية البلدان العربية التي لم تثر على الأنظمة الحاكمة بالجبن والتخلف والرجعية! وكم كنا نعاني خلال دراستنا الجامعية من سخرية واستهزاء بعض إخواننا العرب من الدول التي قادتها الثورات تحت شعارات براقة دغدغت عواطف الجماهير وألهبت مشاعرها وغيبت عقولها حتى أصبحت دمى تصدح بهذه الشعارات وتسبِّح بحمد قادة الثورات وتكيل لهم المدائح في صدق وطنيتهم ونظافة أيديهم وتتطلع إلى غد مشرق في ظل هذه القيادات الثورية. ودارت الأيام والليالي والجماهير المسكينة تنتظر تحول الشعارات الجميلة إلى واقع تنعم فيه بالرخاء والحرية والعدالة كبقية الشعوب ولكنها وجدت أنها كانت تتطلع إلى سراب وأن المستعمر الأجنبي كان أرحم بها من أبنائها الثوار، وأن العدالة التي كانت تنشدها تحولت إلى ظلم وفساد ومحسوبية، والحرية التي كانت تطلبها أصبحت تسلطاً وإذلالاً وكبتاً وأن التنمية والبناء كانت لفئة محسوبة على النظام فقط، وأما بقية الشعب فليس لها سوى التخلف والفقر والبؤس . أذكر هذا كله وكلي تعاطف مع أهلنا وإخواننا في تونس ومصر وليبيا، مدركاً حجم المعاناة التي كانوا يمرون بها، وأنهم أمام تحديات عظام تتطلب جهداً كبيراً لبناء ما تم هدمه في عقود، وكي يكون البناء سليماً لابد أن يقوم على أسس سليمة يتوافق عليها الشعب بمجمله وتنطلق من مصالحه الوطنية بعيداً عن التأثير الخارجي أو المزايدات الداخلية لأصحاب المصالح الضيقة أو ذوي الأجندات الخاصة، وهذا كله يتطلب حسن اختيار العناصر التي ستتولى قيادة عملية البناء فلابد أن يكونوا من ذوي الأيادي النظيفة ذات الخبرة العالية القادرة على العمل والعطاء في بيئة جديدة تؤسس لدولة حديثة تقوم على الفصل بين السلطات وحكم دولة القانون والتداول السلمي للسلطة ولا يجوز أن يتم استخدام أسلوب الإقصاء لأي فئة أو مجموعة ما دامت تتقبل الأسس المتوافق عليها. ولابد من إدراك أن العديد من الخبرات التي كانت تعمل في ظل الأنظمة السابقة هي قوى وطنية لا ينبغي استبعادها لأنها عملت مضطرة وفي ظروف صعبة وعملية البناء بحاجة ماسة لخبرتها. والتعويل هنا على مصر، فنجاح عملية بناء دولة حديثة في مصر سيكون له مردود إيجابي على العالم العربي بأسره لما لمصر من دور ريادي وثقل استراتيجي في المنطقة بأسرها.