الأيام حبالى، والأحداث جسام، والعالم العربي يتمخض، ورياح التغيير مبشرات في كل زاوية، والعرب مشغولون بالعقيد القذافي في ليبيا، لكن صوتاً لم يسمعه الناس وقد تحدث أخيراً، ينبئ عن تغير جديد في علاقات القوة في العالم؛ فقد اتفق ديناصورا القوة؛ أميركا وروسيا على تخفيض عدد الرؤوس النووية إلى 1500 رأس على كل طرف، وهو عدد يكفي لمسح الكرة الأرضية أكثر من مرة، لكنها مع ذلك خطوة في الاتجاه الصحيح. بيد أن السؤال هنا هو: لماذا يتنازل من يملك القوة عن عما يشكل جزءاً أساسياً من قوته، في الوقت الذي تضرب فيه كتائب القذافي مدن ليبيا بالقوة؟ هنا نحن أمام تطور جديد في تاريخ الإنسان. من يملك القوة يتخلى عن السلاح تدريجياً، ومن يشتري السلاح يرى أن أفضل ترويض للشعوب هو بقصفها بالنار وطعنها بالسلاح في محاولةٍ لتحطيم إرادة الإنسان! والواقع أن ما يولد في العالم العربي حالياً هو الإرادة، وهي العنصر المبشر في رحلة التغيير العربية أكثر من المنظر الدموي في ليبيا التي نخشى أن يؤدي ما يجري فيها حالياً إلى تأخير ولادة المولود الجديد. علينا أن نحلل الظاهرة العربية في مطلع عام 2011 على أنها ظاهرة سيكولوجية في تحرر الإنسان من صنم القوة، كما نرى في اتفاقية ستارت2 التي وقعتها ديناصورات القوة لقناعتها العميقة بأن العالم سيكون أكثر أمناً حين يتخلص من أصنام القوة وأوثان السلاح. إنها رسالة قوية وهائلة لكل الطواغيت في الأرض، ومفادها أنه قد ولى الوقت الذي يمسك فيه الطغاة رقاب الشعوب بالقوة والسلاح، كما يحاول القائد الليبي في هذه الأيام، وكان من المفترض في المقاومة هناك أن تنتبه لهذا ولا تتورط في لعبة امتلاك السلاح، لأنه المستنقع الذي يريد العقيد أن يجرها إليه. تونس ومصر ولدتا على نحو رائع وبكلفة لا تقارن بما دفعه الشعب الإيراني، فهناك مات ثمانون ألفاً برصاص الشاه، وهنا ربما سقط خمسمائة من شهداء ساحة التحرير والإسماعيلية والإسكندرية والسويس، وكان الرقم أصغر من ذلك في تونس... أما المنحى الذي سارت فيه الثورة الليبية فقد غابت عنه المقاومة السلمية لتحتل المقاومة المسلحة كامل المشهد هناك، وهذا إجهاض للثورات في اتجاهين: إذا نجحت الثورة ارتهنت للسلاح، وإذا فشلت طحنها المهرج الدكتاتور بدون رحمة. إنه منعرج مشؤوم (في تقديري) ويجب أن تتوقف الثورة عن السير فيه، وبدلا من ذلك عليها أن تنتظر تخمر الأوضاع أكثر فأكثر. وهذا قد ينطبق أيضاً على مناطق أخرى في العالم العربي... لكن هل تسمع الجماهير أو تحلل؟ أم تندفع فتسبقنا الأحداث ونحن ننظر ونحلل؟ ذلك هو ما يحدث في العالم العربي؛ زلازل تهز وبراكين تتفتح حمماً تنساب في أكثر من مكان! إنها صناعة التاريخ بقدر لا يحيط به إلا الرب العليم سبحانه وتعالى.