في عامنا الحالي سنشهد اختمار صراع ملحمي على امتداد الساحل الغربي للولايات المتحدة. وهو صراع قد يُحدث فارقاً كبيراً في مستقبل مناخنا، شأنه في ذلك شأن أي شيء يحدث في العاصمة واشنطن. وهو أيضاً صراع يمكن أن يتحول في مراحله النهائية لمعركة فاصلة حول تعريف طبيعة العلاقة بين الولايات المتحدة والصين. فقد شاءت الطبيعة الأميركية أن تترك مخزوناً هائلاً من الفحم في حوض نهر"باودر ريفر" الواقع في جنوب شرق ولاية "مونتانا" وشمال شرق ولاية "وايومنج". وهذه المنطقة تنتج كميات من الفحم تعادل ما تنتجه منطقة "أبالاتشيا" الشهيرة، كما أن منجمها المعروف باسم" ثيندر ماين" هو الأكبر على الإطلاق. ومعظم هذا الفحم ينقل بالقطار، في رحلة طويلة نحو الجنوب الشرقي، لتشغيل العديد من مصانع الطاقة الموجودة بتلك المنطقة. ولكن هذا المشروع، كما تشير دلائل عديدة، يبدو وكأنه لن ينمو. فخلال السنوات القليلة الماضية، نجحت المنظمات البيئية تحت قيادة ما يعرف بنادي "سييرا كلَبْ" في هزيمة كافة الخطط الرامية لإنشاء ما لا يقل عن 100 مصنع جديد يدار بطاقة الفحم. لذلك، إذا ما كنت مالكاً لمنجم فحم، عليك البدء فوراً بالتفكير في البحث عن أسواق جديدة. من ضمن الأسواق المحتملة الصين، التي تشهد نمواً اقتصادياً هائلًا، وطلباً متزايداً على الطاقة الكهربائية، يفوق بكثير مخزونها الضخم من الفحم. وهناك العديد من المؤشرات الدالة على أن صادرات الفحم من حوض" باودر ريفر" للصين قد بدأت في النمو. بيد أن تلك الصادرات لا يمكن ـ مع ذلك ـ أن تنطلق بكامل طاقتها من هذه المنطقة، ما لم تتمكن موانئ الساحل الغربي من توسيع طاقة تحميلها على نحو جذري. وهذا تحديداً هو السبب الذي دفع شركة مثل"آرك كول" لعقد اتفاقية توأمة من أجل اقتراح خطة لإنشاء ميناء جديد في منطقة"لونج فيو"- واشنطن تبلغ طاقته التصديرية خمسة ملايين طن من الفحم سنوياً تتجه كلها لقارة آسيا. في الوقت الراهن تحاول المنظمات البيئية إعاقة خطط إنشاء هذا الميناء بكافة الطرق، كما تتأهب أيضاً من أجل مواجهة أي خطط مماثلة على امتداد الساحل الغربي. ولا يرجع ذلك لزيادة حركة السيارات المتجهة إلى الميناء والعائدة منه، وما تسببه من ازدحام ومن تلوث بيئي، ولا للغبار المتناثر عن الفحم وغير ذلك من المؤثرات التي تحمل ضررا للبيئة المحلية، وإنما لسبب آخر وهو أن المنظمات البيئية تعرف جيداً أن صناعة الفحم لو تمكنت من تحقيق انتصار ضدها في معركتها الخاصة بالتغير المناخي، فإن ذلك سوف يفتح الباب على مصراعيه أمام الصناعات الأخرى لتحقيق انتصارات مماثلة. تعليقاً على هذه النقطة، يقول"ديفيد جراهام - كاسو" المتحدث الرسمي باسم" نادي سييرا" البيئي السابق الإشارة إليه:" إن هذا يقوض كل ما نجحنا في إنجازه". المفارقة في موضوع الساحل الغربي أن الولايات التي يتوقع أن تنتشر فيها موانئ تصدير الفحم هي في الوقت ذاته الولايات التي كانت تقود البلاد في مجال التحول نحو استخدام مصادر الطاقة النظيفة، علماً بأن الفوائد التي ستتحصل عليها تلك الولايات جراء تصدير الفحم وخصوصاً في مجال توفير الوظائف لا تساوي على الإطلاق الضرر الذي سيلحق بمستقبل البلاد جراء التخلي عن هدف بأهمية هدف التحول للطاقة النظيفة، كما لا تساوي كذلك الآثار الضارة التي يمكن أن تترتب على البيئة جراء التوسع في تصدير الفحم. وإذا ما نظرنا إلى الصورة العامة من منظور أوسع، سوف يتبين لنا التأثير الاقتصادي السيئ على أميركا بجلاء. وما علينا بعد ذلك من أجل المزيد من استجلاء الصورة سوى أن نتساءل: ما هو الشيء المتوقع أن تقوم به الصين من خلال استيراد كل هذه الكميات الضخمة من الطاقة الرخيصة المتمثلة في الفحم والتي ستوفرها الموانئ الجديدة؟ الإجابة ببساطة هي أنها ستستخدم هذه الطاقة من أجل إنتاج المزيد من السلع التي ستقوم بتصديرها لأميركا. وكما يقول "كيه سي جولدن" مدير السياسات"بمجموعة سياتل كليميت سوليوشن":"لمعرفة ماذا ستفعل الصين بكل تلك الكميات من الفحم علينا أن نقف في مكان عال عند مصب نهر كولومبيا كي نرى كيف ستكون الصورة... وهناك سوف نشاهد، العديد من السفن وهي تخرج من الولايات المتحدة حاملة الفحم الرخيص إلى الصين، وسوف نشاهد في الوقت نفسه تقريباً سفناً صينية تدخل لتلك الموانئ، وهي تحمل على ظهرها سلعاً صينية مثل الألواح الشمسية، وبطاريات السيارات الكهربائية، وتلفزيونات البلازما، التي تم تصنيعها في مصانع تعمل بالطاقة الكهربائية، التي تم توليدها في محطات قوى تعمل بطاقة الفحم الرخيص. هناك كميات من الفحم تعادل قيمتها عدة تريليونات من الدولارات موجودة الآن في منطقة حوض"باودر ريفر"، وهي كميات تمثل ضغطاً كبيراً على سلطات الولايتين المتاخمتين لتلك المنطقة، وسوف تكون موضوعاً لصراع شرس تدور رحاه بين المصالح التجارية في مجال استخراج ونقل وتصدير الفحم وبين الجماعات البيئية تشارك فيه بعض الشخصيات البارزة منها على سبيل المثال "وراين بافيت" الذي يمتلك محطة سكة حديد شمال بيرلنجتون، من خلال مجموعته التجارية المعروفة باسم "بيركشاير هاثاواي". ولو وافق "بافيت" على تحويل القطارات التابعة لهذه المحطة والتي تعمل بطاقة الفحم إلى عربات تعمل بالطاقة الكهربائية، فإنه قد يخسر الكثير من الأموال، ولكن سيبرئ ساحته، ويخلف للعالم من بعده إرثاًً نظيفاً. إن الصراع الذي ستشهده تلك الموانئ ليس سوى اختبار بسيط، لنوع المستقبل الذي نريده، ولبعد نظرنا، فإذا فتحنا عنق الزجاجة في الساحل الغربي على مصراعيه، أمام السفن المحملة بالفحم والمتجهة للصين، فإن الإجابة التي تحدد نوع هذا المستقبل، ومدى بعد نظرنا ستكون ظاهرة بوضوح أمام أعيننا. بيل ماكيبين باحث بكلية "ميدل بيري" في فيرمونت ينشر بترتيب خاص مع خدمة" إم.سي.تي. إنترناشيونال"