أصدر مجلس الأمن بإجماع الخمسة الكبار إضافة إلى الدول العشر التي تتناوب على عضوية المجلس، وهي حاليّاً البوسنة والبرازيل وكولومبيا والجابون وألمانيا والهند ولبنان ونيجيريا والبرتغال وجنوب إفريقيا، القرار 1970، الذي اعتبر أن "الهجمات الواسعة والممنهجة الحاصلة في ليبيا ضد المدنيين يمكن أن ترقى إلى تصنيف الجرائم ضد الإنسانية"، وبموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ولكن طبق المادة 41 التي تنص على أن "لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته وله أن يطلب إلى أعضاء «الأمم المتحدة» تطبيق هذه التدابير..." حيث فرض القرار عقوبات قاسية على القذافي وأفراد عائلته ومقربين من نظامه، وحظراً على بيع الأسلحة والذخائر إلى ليبيا، ومنعاً للسفر إلى أراضي الدول الأعضاء لـ16 شخصاً من بينهم القذافي وسبعة من أبنائه وابنته وأشخاص على صلة وثيقة بالنظام. كما نص القرار على "فرض تجميد للأرصدة المالية العائدة للقذافي وأربعة من أبنائه وشخصية قريبة من النظام"... والأهم من كل هذا رفع الملف الليبي منذ انطلاق الثورة الشعبية في 15 فبراير 2011 إلى مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. فهل يشكل القرار 1970 ردعاً كافيّاً لنظام القذافي؟ هل العقوبات والحظر والعزلة الدولية تعد في المرحلة الراهنة تدابير فعالة لحماية المدنيين الليبيين من بطش النظام؟ وهل يتوقع أن يؤدي صدور القرار بإجماع دولي إلى كبح جماح النظام الليبي؟ ألا يمكن أن يؤدي قرار إحالة الملف للمحكمة الجنائية الدولية إلى تصعيد العنف؟ ما هي خيارات الرئيس القذافي المستقبلية في ظل القرار الدولي يصيغته الحالية؟ عند تحليل القرار استناداً إلى التطورات على الأرض يلاحظ الآتي: أولاً، لا يشكل هذا القرار واقعيّاً ردعاً كافيّاً للنظام الليبي إذا وضعنا بعين الاعتبار حماية المدنيين الليبيين في معركة غير متكافئة إطلاقاً. ثانيّاً، لا يتيح القرار خاصة مع قرار الإحالة للمحكمة الجنائية الدولية خياراً للنظام السياسي الليبي سوى الاستمرار إلى النهاية. ثالثاً، التدخل العسكري يتطلب صدور قرار ثانٍ من مجلس الأمن لكنه يواجه إشكالية مزدوجة أولها معارضة بعض الدول دائمة العضوية لمثل هذا القرار، وثانيها المعارضة الشعبية الليبية للتدخل الأجنبي في مسار ثورة يرى القائمون عليها أنها تملك كافة مقومات النجاح دون التدخل الأجنبي المباشر في مسارها. ولعل الخطوة الدولية الأكثر تقبلًا حتى على المستوى الشعبي الليبي هي فرض منطقة حظر طيران لحماية المدنيين من المقاتلات الليبية وحصر منطقة الصراع بين الثوار والنظام الليبي على الأرض. وهي خطوة لا زالت تواجه بمعارضة دولية للصعوبات التقنية التي يتطلبها تنفيذ فرض حظر فعال للطيران. إن الإشكالية التي يحملها القرار 1970 هي الإحالة للمحكمة الجنائية الدولية، فالرئيس الليبي في حالة حصار وفي مواجهة ثورة شعبية فما هي خياراته: التنحي عن السلطة والتفاوض مع الثوار حفاظاً على أسرته على أقل تقدير، أو الحصول على منفى مشرف في دولة ترتضي استقباله مع أفراد عائلته، أو الدفاع عن سلطته حتى آخر "رجل" كما صرح سابقاً. وفي الخيارين الأولين، فالمحكمة الجنائية الدولية بانتظار استقباله حيث صدر القرار تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وهو الفصل الذي يعطي القرارات إلزامية ذاتية، ولاسيما بالنسبة للدولة موضوع هذا القرار أي ليبيا، سواء كانت في عهدة القذافي أم الثوار،، وهو ما لن يرضى به القذافي بالمطلق استناداً إلى شخصيته، فالحل الوحيد المتبقي للرئيس الليبي هو الدفاع عن مجده حتى الموت. سيصعد عنف الهجمات القتالية في الأيام القادمة، وستشهد ليبيا حمامات دم، فحقيقة لم يترك القرار للعقيد خياراً سوى الموت.