إن مرونة المناخ الاستثماري وجاذبيته تمثّلان أحد المعايير الرئيسية، التي يُنظر إليها ويتم مراقبتها من قِبل المستثمرين الأجانب للتفضيل بين الوجهات الاستثمارية المختلفة حول العالم لدى سعيهم إلى اتخاذ قرار بالاستثمار خارج حدود بلادهم، ونتيجة لتزايد أهمية الاستثمار الأجنبي كمصدر للتمويل حول العالم في ظل الانفتاح والاندماج الكبير بين الاقتصادات العالمية وبعضها بعضاً فقد أفردت المنظمات الاقتصادية الدولية الكبرى كـ "المنتدى الاقتصادي العالمي" تقريراً كاملاً يصدر بشكل سنوي تحت عنوان "تقرير التنافسية العالمي"، ويتابع التطورات التي تشهدها المناخات الاستثمارية وطبيعة الإصلاحات والتعديلات التي تقوم بها الدول كل عام لتحسين وضعها التنافسي بين باقي الاقتصادات حول العالم. وتعدّ دولة الإمارات من الدول التي دأبت على احتلال إحدى المراتب المتقدمة على مستوى العالم في التصنيف الذي يتضمّنه "تقرير التنافسية العالمي"، ووفقاً لهذا التقرير فإن المناخ الاستثماري في دولة الإمارات حالياً يعدّ صاحب المرتبة 25 ضمن أفضل المناخات الاستثمارية في العالم، ولعل هذه المرتبة المتقدمة والمستوى التنافسي المتميز يمثّلان الملمح الرئيسي للصورة الخارجية للاقتصاد الإماراتي، التي تكون محلّ اطّلاع المستثمرين الأجانب للمفاضلة بينه كوجهة استثمارية وبين باقي الوجهات الاستثمارية الأخرى حول العالم. واتساقاً مع هذا الأداء، فقد خرج "مؤشر أفضل مواقع الخدمات العالمية" التابع لمؤسسة "إي. تي. كيرني" مؤخراً ليضع دولة الإمارات في المرتبة الخامسة عشرة عالمياً والثانية إقليمياً في ترتيب الوجهات الأكثر تفضيلاً من قِبل المستثمرين حول العالم، والمهتمّين بالاستثمار في قطاعات الخدمات، وهي على الدرجة نفسها من الجاذبية أيضاً تجاه المقارّ الرئيسية للشركات والمؤسسات متعدّدة الجنسيات حول العالم، وقد اعتبرت المؤسسة كذلك أن دولة الإمارات تمثّل بوابة لأسواق دول الخليج العربية في هذه المجالات المذكورة. إن هذا الأداء المتميز لدولة الإمارات في ما يتعلق بجاذبية المناخ الاستثماري تجاه المستثمرين والمؤسسات والمنظمات الدولية ليأخذ قيمته وأهميته من اعتبارات عدة مهمة: أولها، أن هذا التفوق يعطي الدولة فرصة الاستفادة من المميزات التي تتمتّع بها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كلها كوجهة استثمارية، خاصة في ما يتعلق برؤوس الأموال المتنقّلة عبر الحدود للاستثمار في الخدمات، نظراً إلى توسط هذه المنطقة بدورها بين قارات العالم القديم وقربها الجغرافي الكبير إلى الأسواق الأوروبية من ناحية والأسواق الصاعدة في آسيا وأفريقيا من ناحية أخرى، الأمر الذي يضعها في بؤرة الاهتمام من قِبل المستثمرين في مجمل هذه المناطق، وثاني الاعتبارات التي تعطي التفوق الإماراتي أهميته وقيمته، هو الاعتبار الزمني، حيث إن تحقيق الدولة هذا التفوق العالمي والإقليمي في المرحلة التاريخية الحالية يمنح الدولة فرصة الاستفادة من التغيّرات التي تطرأ على خريطة توزيع حركة رؤوس الأموال العالمية، التي تشهد حالياً نزوعاً وانتقالاً من الأسواق المتقدمة في أوروبا والولايات المتحدة في اتجاه الاقتصادات الصاعدة والنامية في آسيا، ما يعطي الدولة فرصة تحسين موقعها على خريطة النظام المالي العالمي كمركز مالي إقليمي وعالمي. وتزداد أهمية التفوق الإماراتي وقيمته كوجهة عالمية وإقليمية للاستثمار في الخدمات في ظل اعتبار آخر ذي أهمية خاصة، وهو أن هذا التفوق يمنحها فرصة أن تجتذب المزيد من المقارّ الإقليمية للمؤسسات والشركات العالمية الكبرى لتضيف ذلك إلى رصيدها الكبير في هذا الشأن، لتتحول شيئاً فشيئاً إلى مركز عالمي للتجارة والأعمال وحلقة وصل متينة في شبكة العلاقات الاقتصادية والتجارية الدولية، بما تتضمّنه من انتقالات للسلع والخدمات ورؤوس الأموال والأفراد من مستثمرين وسائحين حول العالم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.